«طبخة» البيان الوزاري لحكومة سلام على نار حامية

… هادئ، جدي ورصين، «ثلاثية» تعكس المناخ السائد في مناقشات لجنة صوغ البيان الوزاري لحكومة الرئيس تمام سلام، التي تجمع الاطراف المتخاصمة العائدة للتو الى «طاولة واحدة» من معارك وجروح واتهامات ورهانات واحقاد ومكائد وشتائم… وما شابه من «اوصاف» كانت حاضرة ورائجة وشائعة قبل فترة وجيزة على ضفتي الصراع في البلاد التي يختلط فيها المحلي بالاقليمي.

لا تقتصر ثلاثية «الهدوء والجدية والرصانة» على اجتماعات لجنة السبعة لصوغ البيان الوزاري، التي تقارب اكثر القضايا حساسية، كالموقف من «المقاومة»، اي سلاح «حزب الله»، ومن «اعلان بعبدا»، الاسم الحركي لـ «تحييد لبنان»، بل تحولت سمة للحظة السياسية الراهنة، بعدما اطفأ الجميع محركاتهم وذهبوا الى «خيمة» الحكومة الجديدة وكأن نعمة «العقلانية» حلت دفعة واحدة على طرفي الصراع (8 و14 آذار).

فمع حكومة «ربط النزاع» او حكومة «فك الاشتباك» تغيرت سريعاً «قواعد اللعبة»، وسط مزاج جديد يزاوج بين «الهلع والاطمئنان»، فبيروت المصابة بـ «الفزع» لإدراكها ان تشكيل الحكومة لن يوقف مسلسل العمليات الانتحارية، بدليل الهجوم المزدوج على المستشارية الايرانية في اليوم التالي لاعلان الحكومة، بدت وكأنها تخلد الى «اطمئنان» افتقدته طويلاً، وهي تحدق ملياً في وجوه «تيار المستقبل» و«حزب الله» جنباً الى جنب في الحكومة عينها.

وما زالت هذه «النقلة السريعة» لطرفي الصراع الاساسيين «حزب الله» و«تيار المستقبل»، من المتراس المتقابل فوق فوهة الصراع الداخلي – الاقليمي، الى «المساحة المشتركة» داخل الحكومة وفيها، محور اهتمام الدوائر المراقبة التي تعكف على قراءة الاسباب الحقيقية لـ «البراغماتية» التي اظهرها الطرفان.
وفي «خلاصات» هذه القراءة امكن التوقف عند الآتي:

  • ان «تيار المستقبل» بزعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، الذي أُخرج عنوة من السلطة بـ «انقلاب» سياسي – دستوري قاده «حزب الله» في الـ 2011، ادرك ان ربط عودته الى السلطة بالتحولات السورية التي قد تطيح بنظام الرئيس بشار الاسد، مسألة قد تطول مع اقتراب دخول الازمة السورية عامها الرابع، وتالياً لا بد من التعايش مع موازين القوى الداخلية التي تملي «المساكنة» مع «حزب الله» في حكومة واحدة.
  • حاجة «تيار المستقبل»، المرجعية السنية الابرز، للعودة الى الساحة كقوة اعتدال تحمي الشراكة الوطنية، بعدما تزايدت مظاهر التطرف. فرغم ادراكه ان هذا التطرف ناجم في جانب منه عن تورط «حزب الله» في الحرب السورية، فان «تيار المستقبل» يرى ان العمل على محاصرة الفتنة السنية – الشيعية وقفل الابواب بوجه رياحها التي تهب من العراق وسورية، واحدة من الاولويات التي تستحق خطوات جريئة.
  • الانطباع بان معركة «مكافحة الارهاب» تحولت عنواناً جامعاً على المستويات الدولية والاقليمية، وتالياً لا بد من ملاقاته في لبنان عبر خطوات سياسية – امنية. ظهرت في شكل سريع في التفاهم الاسرع على بند مكافحة الارهاب في البيان الوزاري، وبالدور الحيوي الذي بدأت تلعبه «شعبة المعلومات» المحسوبة على «تيار المستقبل» في تعقب الجماعات الارهابية وتوقيف عناصرها.
  • تعديل «حزب الله» من «جدول اعماله» تبعاً لمقتضيات المعارك المتعددة التي يخوضها، وهو ما ظهر بتراجعه خطوة الى الخلف في الداخل على وقع اولوية معركته في سورية. فـ «حزب الله» الذي سعى الى الامساك بالسلطة سلم، تحت وطأة المتغيرات ومنها التحديات الناجمة عن العمليات الانتحارية ضد بيئته، بالحاجة الى شراكة مع الآخرين الذين كان اقصاهم، وهو ما افسح تالياً بتشكيل الحكومة الجديدة.
  • الاعتقاد بان «حزب الله» الذي كان يخشى ان يكون «الهدف التالي» بعد اسقاط الاسد، اطمئن بعد نجاحه في تعديل موازين القوى على الارض في سورية، الى ان اي تسوية كبرى لن تكون على حسابه، وتالياً فان هذا الامر اعفاه من الهروب الى الامام، واعاده الى البحث عن شراكة داخلية، خصوصاً بعدما فشلت تجربة الحكومة (حكومة نجيب ميقاتي) التي كانت له الامرة السياسية فيها.
  • ورغم تعديل الطرفين «اجندتيهما» في لحظة تدهم البلاد استحقاقات بالغة الحساسية كالانتخابات الرئاسية، فان هذا التحول سيستمر محكوماً بمستوى المواجهة الاقليمية – الايرانية – السعودية و«تموجاتها» المتعددة الساحة من اليمن والعراق والبحرين وسورية، وصولاً الى لبنان المرشح للعب دور «ساحة الاختبار» لما يحوطه من نزاعات.
  • ووسط «الهبة الباردة» الحالية، فإنه من غير المستبعد ان يصار سريعاً الى الانتهاء من اعداد البيان الوزاري لحكومة سلام والذهاب بها الى البرلمان لنيل الثقة، خصوصاً انها ستكون على موعد مع ثلاث محطات بالغة الاهمية خلال الشهر المقبل، وهي: اجتماع المجموعة الدولية لدعم لبنان في 5 مارس، والقمة العربية في الكويت، اضافة الى زيارة الرئيس الاميركي باراك اوباما للسعودية.
السابق
الجيش يعمم صورة أحد المطلوبين الخطرين
التالي
مستشارة الرئيس الأوكراني: لا ينوي الاستقالة ويعتبر ما حدث انقلاباً