تفجير أجسادنا: فدا صرماية من؟

انفجار المستشارية الإيرانية الثقافية
رّحبوا بثقافة "الصرامي" التي سيطرت على عقول اللبنانيين واجتاحت معجم حواراتهم منذ عشر سنوات. في كلّ مرّة يصل الحوار الاجتماعي والنقاش السياسي إلى درجة اختلاف يفسد الوّد، وإلى درجة تجريح تسيء إلى صاحب الرأي نفسه بدل مناقشة رأيه، ومستوى شتائم يسحق كرامة الآخر بدل محاورته!

في البداية أطلق جمهور حزب الله ثقافة “الصرامي” التي بدأها بالعبارة الشهيرة: “فدا صرماية السيّد!”، عندما أراد هذا الجمهور التعبير عن موقفه “الصابر” على تدمير اسرائيل ضاحية بيروت الجنوبية والجنوب في حرب تموز 2006. وكان هذا الموقف حينها قمّة الصبر على حرب قذرة خاضتها اسرائيل بضوء أخضر اقليمي ودولي وحتى “داخلي” ضدّ هذا الجمهور بشكل خاص وضدّ لبنان بشكل عام…

ثم عاد جمهور الحزب واستخدم العبارة نفسها لاقناع افراده، قبل اقناع خصومه، بالتقليل من سلبيات تعطيل الحياة في الوسط التجاري يوم اعتصم الحزب في خيم “تعطيل” وسط بيروت لاسقاط الحكومة التي كان على رأسها الرئيس فؤاد السنيورة. ما أدّى الى شلل اقتصادي في البلاد، لكنّ جمهور الحزب افتدى كل شيء “بصرماية السيّد” مجددا…

وفي كل مرة يستخدم جمهور الحزب هذه العبارة يكون هناك “تسليم” ضمني علني منه بصوابية أيّ قرار او خطوة تتّخذها قيادة حزب الله، عبر التأكيد انه كجمهور “ممانع” مستعدّ لدفع اي ثمن ارضاء لقيادته بل ارضاء “لصرماية” القيادة !

في العام الماضي تبنّت شريحة أكبر من اللبنانيين ثقافة “الصرامي”، مع اختلاف في الهدف. وضمّت تلك الشريحة حينها جزءا من جمهور الآذاريين 8 و14 وبعض المستقلين من الشخصيات السياسية اضافة الى مواطنين لبنانيين آخرين (لا ميول سياسية محددة لهم). وذلك في فترة بدء الهجوم الاعلامي والتهم السياسية بحق الجيش اللبناني. فرفعت هذه الشريحة الشعبية والسياسية اصواتها مرّددة بثقة عبارة: “فدا صرماية العسكري!

تلك المرة كانت “الصرماية” تعبر عن “مباركة” فئة من اللبنانيين لأيّ خطوة عسكرية وأمنية للجيش عبر وضع “صرماية” العسكر فوق ايّ عقل تخويني للجيش، وحتى فوق اي محاسبة او مساءلة له سواء على مستوى القيادة أو الافراد!

اما اجتماعيا فلم تغب “الصرماية” عن العقل اللبناني. قبل اسابيع قليلة فقط كتبت صحافية لبنانية معروفة، خلال “اشتداد” الحملة الشعبية والاعلامية مع وضدّ السيدة فيروز بسبب إعلان ابنها زياد الرحباني أنّها “تحبّ السيّد حسن نصرالله” وأنّها “مع المقاومة”. فأرادت الصحافية عبر عنونة مقالها المدافع عن “حرّية خيار فيروز السياسي” بعبارة: “فدا صرماية السّت”، أرادت وقف السجال الاجتماعي والاعلامي حول موقف فيروز بإخراسنا جميعا (بغضّ النظر عن حقنا في مناقشة الموقف السياسي لأيّ فنان سواء اتفقنا معه او لم نتفق). فرفعت بطاقة حمراء تحظّر علينا اللعب في ساحة نقاش الموقف الفيروزي الشهير وكأنّها تقول لنا بطريقة غير مباشرة “انتهى النقاش… فلأجل صرماية الست اقتلوا النقد!”…

ولكي يكتمل مشهد “الصرامي” المتطايرة فوق رؤوسنا عبرّت مجموعة من المغرّدين على صفحات مواقع التواصل الاجتماعية قبل فترة ايضا عن اعجابها وتأييدها للارهابي الهارب من العدالة أحمد الأسير باطلاق حملة “فدا صرماية الأسير” الكترونيا!

ربما كان هؤلاء الباحثون عن “بطل” من ورق في شخص الاسير يريدون هم ايضا اللحاق بموجة “الصرامي” الرائجة وكسر احتكار سوق التداول بالصرامي من قبل طرف سياسي معين في اعلان الولاء الأعمى لشخصية سياسية او فنان او حتى لخيار عسكري ما!

ورغم اختلاف المكانة الدينية والسياسية والبطولية للأسير (الهارب من العدالة بعد قتاله الجيش اللبناني في صيدا وزرعه الفتنة في المدينة) عن قائد “حزب الله” نصرالله وعن صاحبة الصوت الملائكي فيروز الا انّه قد غاب عن بال من يؤمنون بثقافة “الصرامي” أنه يقوم بترخيص مواقفه وحبه وتأييده لشخصية ما بحصر عواطفه ومبادئه بصرماية هذه الشخصية. وهو ما يجب ان ترفضه هذه الشخصية نفسها أصلا لأنّ القائد الحقيقي يناقش عقول مناصريه ومحبيه وجمهوره ولا يساوي صرمايته بهم!

إذا فالجماهير اللبنانية تفتدي “صرماية” زعيم او فنان او عسكري ما بجيوبهم عبر تقبلهم واقعا اقتصاديا متعثرا (معليش بيوتنا ومحلاتنا وأرزاقنا فدا الصرماية) وبدماء أبنائهم عبر صبرهم على شهدائهم الابرياء (معليش أرواحنا وجروحنا فدا الصرماية)…

لكن ما قول أصحاب ثقافة “الصرامي” والارهاب قد مسّ دموع الايتام في لبنان؟! هؤلاء الأيتام الذين لا يملكون اصلا عائلة ولا بيئة حاضنة لهم الا ميتم انتهك حرمته الارهابي حتى تفتدوا بصرماية اي شخص دموعهم ودمائهم!؟ … كيف تسمحون لأنفسكم بالتحدث كمواطنين وسياسيين باسم يتيم مقهور مجروح من قلب ساحة الانفجار في بئر الحسن اليوم والهرمل بالأمس بتصريحات حول قضايا وحروب وبيان وزاري لا دخل لليتيم فيها؟!

قبل اسابيع سالت دموع ايتام مؤسسات الرعاية الاجتماعية “المبرات” التابعة للسيد العلامة الراحل محمد حسين فضل الذين ذنبهم انهم اطفال شيعة وفق بيانات القاعدة واخواتها من النصرة وداعش وكتائب عبد الله عزام الذين يمارسون الارهاب فوق لبنان. اطفال شيعة يستفيدون في قوتهم ونومهم من عائدات محطة وقود استهدفها الارهاب حينها، أمّا اليوم فأطفال دار الايتام الاسلامية في تفجير بئر حسن المزدوج الأربعاء الفائت هم سّنة بمعظمهم، ان لم يكن كلّهم، يتبعون دار رعاية الايتام، أي مؤسسة تابعة لدار فتوى سنيّة وتبرّعاتها تأتي من شيوخ وسياسيين واثرياء سنّة: فهل ترضيكم طائفية هذا الواقع لتشعروا بحجم اجرامكم ضد دموع اليتيم اللبناني!؟

أما الواقع اللعين الذي صادفناه بعد الانفجار بدقائق فهو عبر مواقع التواصل.

السابق
أحمد محسن يتمرّد على الأخبار: أشرف الناس كلاب وكلام نصر الله تافه
التالي
بعد الحكومة هل يطبّق حزب الله 1701 ويوحّد الأجهزة؟