السيّد نصر الله مرتبكا وغير مقنع

حسن نصرالله
الثابت الوحيد بعد تلك العواصف كلّها هو الترسّب المذهبي السام الذي لم تقدر القرارات السياسية المتناغمة أن تزيله. وهنا يطرح السؤال التالي نفسه: ألم يكن بالأجدى أن تصل الأمور إلى ما وصلت اليه بأقلّ من الكلفة التي دفعها الناس توترا وانكماشا اقتصاديا وفقرا حقدا؟

في خطابه الأخير لم يكن مقنعا تبرير الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله لتدخل حزبه في النزاع السوري. حتّى حججه في تبرير تنازلاته الكبيرة في تشكيل الحكومة اللبنانية لم تكن دامغة، ولم ترسخ في اقتناعات جمهور الحزب العريض ولا في عقول المتابعين.

في ميزان الربح والخسارة استطاع حزب الله أن يسجل فوزا نوعيا بإسقاط الشرط المستقبلي – الآذاري الذي يقضي بسحب الحزب عناصره من سوريا، قبل تشكيل الحكومة. وها هو الحزب ينخرط بشكل أكبر في الحرب السورية ومعركة يبرود هي الشاهد الأوضح والأقرب في الزمان والمكان. وها هو يحافظ في آن على وجوده في الحكومة ممثلا بصقور من رموزه.

المكسب الثاني المضمر هو الذي جاء على قاعدة: لا تكرهوا شيئا لعله خير لكم.  ولعلّه مكسب الصدفة أو النكاية أو الدهاء. فهو أن يتولّى “تيّار المستقبل” دفتي وزارتي الداخلية والعدل، وما في هاتين الوزارتين من ملفات وقضايا حساسة تجعل تيار المستقبل خطّ الدفاع الأول في وجه التكفيرييين من جهة وفي موقع المسؤولية الأمنية إزاء ما يجري في طرابلس مثلا من جهة ثانية.

لقد وقع المستقبل في الفخ، بشخص وزيريه – أو ربما أوقع – عندما اعتبر نفسه منتصرا في الحصول على حقيبتي العدل والداخلية. في حين أنّه في الواقع أُلبس قميص الشبهة، ووُضِع تحت مجهر المساءلة والمراقبة الدقيقتين في أكثر الملفات حساسية من الناحيتين الأمنية والمذهبية. أما في الحسابات السياسية الداخلية فقد كرّس حزب الله التزامه بمطالب “التيار الوطني الحرّ” متحملا بذلك مسؤولية التعطيل لفترة ليست بقليلة.

ما برز تحت المجهر، فور إعلان الحكومة بتشكيلتهان هو موقف الناس من كلا الفريقين الذين أمعنت قيادتاهما في التخوين والتهديد وكيل التهم ثم عادا ليقبلا بالآخر. وهو تراجع أقلّ ما يقال فيه بالسياسة أنّه انهزام.

وإذا كانت حتمية التعايش هي حجة الطرفين، فإنّها ليست وليدة الأمس. فالتعايش اللبناني حتمية مرادفة لوجود لبنان تاريخيا. أما التنبّه لهذه الحتمية فهو، كما تأكد بالأمس، رهن موازين القوى الإقليمية وانعكاساتها. فقطار التسوية الأميركي الإيراني انعكس تراجعا عن 9-9-6 ومرونة غير مسبوقة من قبل حزب الله قابلها تراجع من قبل المستقبل عن شروطه التعجيزية.

الثابت الوحيد بعد تلك العواصف كلّها هو الترسّب المذهبي السام الذي لم تقدر القرارات السياسية المتناغمة أن تزيله. وهنا يطرح السؤال التالي نفسه: ألم يكن بالأجدى أن تصل الأمور إلى ما وصلت اليه بأقلّ من الكلفة التي دفعها الناس توترا وانكماشا اقتصاديا وفقرا وحقدا؟

وفي الجواب ثمة حقيقة أصيلة صارت ناصعة، ومفادها أنّ مساحة البلد وقدرته وتركيبته ضاقت أمام ارتباطات لاعبيه.

نعم: ما لم يقله السيد نصرالله، ولن يقوله سواه، هو أنّ الارتباطات الإقليمية قد أرهقت البلد. وفي العودة إلى خطابه فقد تعدّدت تبريرات الحزب للتدخل في سوريا، حتّى كان آخرها هو الحلول محل الدولة التي نأت بنفسها عن التدخل في ما رأى فيه حزب الله – وحده – موجبا للتدخل.

يحرص الحزب على المشاركة في مجالات الحكم ومجالات السلطة كلّها. وهذا حقّه الطبيعي، لكنّ الحزب يعتبر أنّ حكومة لا تضمّه وحلفاءه تبقى غير ميثاقية لأنّه يمثّل وإيّاهم الجمهور الشيعي، بينما ينفرد بقرار حرب في ميدان إقليمي ضاربا أسس الميثاقية والشراكة كلّها.

الموقف الواضح الواحد والوحيد والمقنع في آن، في مجمل خطاب سماحة الأمين العام، هو موقفه من التيّارات التكفيرية، والدعوة إلى التعاون في محاربتها لأنّها عدو للجميع، نازعا بذلك الصبغة المذهبية عنها.

كما نجح السيد في تفنيد أسلوب تلك التيارات وطريقة عملها وخطورة منطلقاتها الفكرية الضالة. أما ما عدا ذلك فانعكاس لارتباك الحزب إزاء الموضوع الإقليمي الحسّاس، الذي أنهك الحزب في تداعياته السياسية والميدانية، على عكس ما عرفناه سابقا. فلطالما اشتدّ الخناق على الحزب في جبهته الجنوبية، لكنّه كان يظهر صلابة أكثر في موقفه واستقرارا في بيئته ومحيطه.

السابق
بالصور.. اغتيال والد أحد المتهمين بتفجيري التقوى والسلام
التالي
ما قاله أنطون سعاده للسيد عن السيدة والحكومة‏