الركّاب الجنوبيون على أوتار الخوف

سأله صاحب الفان” شو فيها هالشنطة؟” أجابه باللهجة السورية ” لبس”، ردّ ضاحكا:” ما كله صار ينلبس، عم إسألك كرمال حاجز الأولي”. لم يكن سؤال صاحب الفان لأحد الركاب عن محتويات شنطة السفر بجديد، فالأحداث الأمنية والتفجيرات المتقاربة والعشوائية، جعلت من كل تجمع بشري عرضة للخطر ودفعت حركة الركاب الجنوبيين للتراجع بشكل ملحوظ.

لم تعد بيروت كالسابق، طلاب الجامعات يتغيبون رغما عنهم، كل خضّة أمنية تكون سببا لرعب أهاليهم في الجنوب، الأمهات لم يعدنّ يحتملنّ هذا الواقع، والتقوقع في زوايا المنزل بانتظار توفر شبكة الهاتف، يتلف أعصابهن، تقول ناديا: “شو بدها تاخد دكتوراه، حياتها أهم عندي من العلم”، هكذا لم تحضر هدى محاضرتها في كلية الإعلام في الفنار. في كل مرة تنزل إلى بيروت، تعيش أمها هاجس التفجيرات، لا تغادر المنزل، تتسمر أمام شاشة التلفاز، ترقباً لأي جديد، هذا الواقع يربك هدى ويزعجها، تشعر بالخوف، والأساتذة لا يقدّرون الوضع الأمني للبلد، الحضور إلزامي، وما يقدم في الصف غير موجود في أي مرجع مكتوب. سحر أيضا موظفة في “الجامعة اللبنانية” اضطرت إلى تقديم طلب لنقل عملها من بيروت إلى النبطية تفادياً لهذه الرحلة اليومية المحفوفة بالمخاطر.
كثيرون من المواطنين تخلوا عن مشاريعهم في بيروت، أبو أحمد يعمل نجاراً، نقل عمله إلى بلدته حومين، فضاق باب رزقه كثيرا، لكنه مرتاح لأن عائلته تخلصت من الوهلات المتتابعة التي عاشوها في الضاحية. لا يقتصر الأمر على الطلاب والموظفين، بل إن كثيرا من أبناء الجنوب الذين كانوا يقصدون بيروت للترفيه أو التسوق، تخلوا عن عادتهم في ظل هذه الأوضاع.
حركة الركاب من وإلى بيروت تشهد تراجعاً كبيراً على صعيد سيارات النقل الصغيرة، إثر كل انفجار. يقول أبو حسين قاسم: “كنت أنزل من صيدا إلى بيروت بشكل يومي بنقلة كاملة، اليوم إما أنزل وحدي أو مع راكب واحد”، مؤكدا أن الأوضاع الأمنية والانقسام المذهبي في البلد،” تجعل نظرتك للآخر مرتابة، ولا يمكن الوثوق بأي شخص يقف على الطريق، خصوصا بعد الاخبار التي سمعناها مؤخرا”.
في موقف الفانات قرب السفارة الكويتية قد ينتظر الركاب لأكثر من نصف ساعة، حركة الناس خفيفة، وبعد الظهر يندر وجود الفتيات، يقول أبو علي شعيتو المسؤول عن موقف النبطية: “الوضع الأمني المتدهور هو ما يمنع الناس من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، والتواجد في بيروت لم يعد خيارا بل ضرورة لا يقدم على فعلها كثيرون، وخصوصا طلاب الجامعات”، معتبرا أن “الحرب المعلنة على حزب الله، تجعل من أي مكان للتجمع هدفا للانتحاريين”.
يوافق زهير حمود سائق فان يعمل على طريق النبطية بيروت، أن المسؤولية تقع على الجميع والتعاون مع القوى الأمنية مطلوب، ومع هذا فلا يعتمد على تفتيش حاجز الجيش في الأولي – صيدا، “أنتظر على مقربة من الفان، مانعا كل شخص أشتبه به من التقدم حيث تتجمع الناس”. في المقابل تؤكد منتهى أن الفان الذي كان يوصلها إلى مدينة صيدا، توقف إلى اليمين عند حاجز الأولي، إلا انه لم يفتش، ولم يُسأل الركاب عن هويّاتهم، علما بأن معظمهم كانوا من غير اللبنانيين، متأسفة على عدم التدقيق حرصا على السلامة العامة.
يؤكد جمال فرج مسؤول موقف فانات صور، أن حركة الركاب متراجعة بشكل بسيط، معتبرا: “أن الذين يقصدون الموقف هم أناس نعرفهم، من الموظفين والطلاب، لكن الحركة العامة في خارج الموقف تراجعت بشكل أكبر”.
الجنوبيون في حيرة، بين بدائل ناقصة، وواقع محفوف بالمخاطر، والأمن النسبي في بعض المناطق، يسقطه القلق وغياب الأمان على الطرقات ووسائل النقل، والمواطن هو الضحيّة ، تتقاذفه الصراعات السياسية والمذهبية وتجعله يتأرجح بين حزام الإنتحاري وسندان الإجراءات الأمنية غير المكتملة.

السابق
اغتيال المسؤول العسكري في الحزب العربي الديمقراطي
التالي
وفاة عبودي نواسي بعد إطلاق النار عليه في الميناء