بيان علي ضدّ أهل زمانه

محاولات اغتيال علي

الكاتب حسن داوود، الذي ترجمت كتبه إلى أبرز لغات العالم، والذي بيعت مئات آلاف النسخ من رواياته، مدير تحرير موقع “المدن” الإلكتروني والناقد الأدبي العريق، كتب عن “محاولات اغتيال علي” للزميل محمد بركات، معتبرا أنّه “يأتي إلى الكتابة الأدبية بكلّ ما يشغلنا، بما يظلّ يحكمنا ساعات كثيرة في النهار الواحد، لكن، لسبب ما، لا يعلم القرّاء لماذا أبقت الكتابة الأدبية كل ذلك خارجها”.

هنا نصّ الكاتب حسن داوود في موقع “المدن” الالكتروني: 

كثيرة هي محاولات اغتيال علي. بدأت منذ أن كان طفلاً في بيته، وفي مدرسته أيضاً حين ناكفته المعلّمة رافضة إجابته أّن هناك فعلاً إنسان برأسين. ثمّ هناك أستاذ الأدب العربي الذي هو في ذاكرة الطلّاب “عاقد الحاجبين، قليل المرح، كثير العبوس”، لكن رغم ذلك عاودت علي جرأته التي يعرفه بها طلّاب صفّه فأعلن للأستاذ استنكاره التعرّض لشاربي الخمرة الذين بينهم والد علي ووالدته.

وهناك محاولة أخرى لاغتياله جرت في المخيّم الكشفي، اليساري، وذلك حين رفض فكرة “دكتاتورية البروليتاريا “قائلاً للمثقّف الحزبي إنّه يكره الديكتاتورية ولن يقبلها من أحد. ثم، بعد أن كبر سنوات أخرى ورأى أن يدرس الإعلام ويعمل في الصحافة “كونه أكثر قدرة على استيعاب هورمونات الشباب وأفكارهم المتمرّدة”.

لكن في سنة 2008، وهو بعد في بداية عمله صحافياً، تعرّض لمحاولات اغتيال أخرى وذلك بعد أن داهمت قوى حزب الله محطّة التلفزيون حيث يعمل، لكن غضبه كان شخصياً هذه المرة وليس سياسياً، “شخصياً جداً” إذ أن إدارة التلفزيون التي أنزلت موظفيها في فنادق بالمنطقة الشرقية من بيروت، خوفاً من بقائهم في متناول المسلّحين، قرّرت أن ينام موظّفان اثنان على سرير واحد، وهذا ما رفضه.

ثم هناك اغتيالات كثيرة ستلي بينها معاركه الكلاميّة مع حميه الذي تصرّ زوجته على أن يطيعه علي فيما هو، والدها، قديم قدم شاربه الذي ما زال على عهده لم يتغيّر منذ السبعينات. ثم سيلي ذلك معارك علي المستمرّة مع زوجته حيث يبدو قدر الزوجين، كلّ زوجين، هو أن يبدآ، من فور اقترانهما، تلك الحرب التي يقومان بها لتعيين من هو المنتصر منهما ليتحكّم بالآخر في السنوات الأربعين أو الخمسين من حياتهما المشتركة. فإن تحقّق الانتصار للرجل حسمت المعركة لصالحه، وإن كانت هي المنتصرة فهذا يعني قضاء الحياة بالنزاع والمناكفة، كأن نتيجة الحرب تلك ضدّ الطبيعة ومخالفة لما ينبغي أن تكون عليه نتائج الحروب المماثلة.

ثم سيسرد من سُمّي عليّاً المواجهات التي لا حصر لها مع زوجته، تلك التي لا تفيد جرأته ولا يفيد عناده في التغلّب عليها، أو حتى في تلقّي نتائجها. فهنا، مع الزوجة، بحسب ما يقول له أحد أصدقائه، مختلفة شروط الحرب، وخاضعة لقوانين أخرى. يسأله صديقه، مراد، “تحبّ الهزيمة أمام زوجتك وتريد أن تهزم الإدارة والأحزاب، كيف ذلك؟”

وفي الكتاب تتحوّل لهجة علي من المعاندة إلى الحكمة، بدءا من الكلام عن البيت والزوجة مروراً إلى المسائل الكثيرة الأخرى التي تشغله، محاولةً اغتياله مرّة بعد مرّة. يتحوّل كلام عليّ إلى الحكمة إذن فيما هو يحاكم كل شيء حوله، سواء ما يتعلّق به شخصياً أو بما يتعلّق بفوضى نظام الحياة العام، حيث كلّ شيء يسير سيراً مخالفاً للبديهة. كلّ شيء في العالم حول عليّ يبدو مقلوباً رأساً على عقب واقفاً على رأسه لا على قدميه. ذلك يطال السياسة كما هي بين السياسيين وكما هي جارية في البيوت وفي القرى، كما يطال أيضا الدين، بأكثر قليلا هذه المرّة من القول أنّ المشكلة هي في طريقة تطبيق الدين، وكذلك انسياق الناس وراء طوائفهم عميا بلا وعي ولا إرادة. كما يطال سخط علي تحوّل القرى الجنوبية عما سبق لها أن كانته حيث بات يُجيب الطفل إنه يريد أن يصير “مقاتل”، وذلك ردّا على سؤال البيوت التقليدي: ماذا تريد أن تكون في المستقبل. في السابق كان الأولاد يجيبون بأنّهم يريدون أن يكونوا أطباء ومهندسين ومحامين، ألآن يريدون أن يدرسوا مقاتلين لكي يبدأ واحدهم، بحسب علي، تقاعده وهو في عمر الخامسة عشرة.

محمد بركات، أو مثيله عليّ، يصير أقلّ ميلاً إلى الطرافة مع تحوّله من الشكوى إلى الحكمة. ذاك أنّ مسائل البيوت والأزواج، على عللها الكثيرة، جرت صياغتها متداخلة بالطرافة والتنكيت، أما في ما يتعدّاها فالغيظ يأتي أوّلاً، مزيحاً كلّ ما عداه.
علي، في بيانه، يأتي إلى الكتابة بكلّ ما يشغلنا، بما يظلّ يحكمنا ساعات كثيرة في النهار الواحد، لكن، لسبب ما، لا يعلم القرّاء لماذا أبقت الكتابة الأدبية كل ذلك خارجها.

• “محاولات اغتيال علي” سيرة منزلية لمحمد بركات، صدر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2014.

السابق
“جبهة النصرة” تتبنى اطلاق صواريخ على بريتال والنبي شيت
التالي
حزب الله نعى القائد عباس سلهب وأحد عناصره «شهيدا واجب» في سوريا