المظاهر لا تجعل من روسيا ..الاتحاد السوفياتي

ما الفارق بين روسيا والاتحاد السوفياتي؟ ما الفارق بين دورة الالعاب الاولمبية في موسكو في العام 1980 ودورة الالعاب الاولمبية الشتوية التي تقام حاليا في سوتشي الروسية؟ الفارق الوحيد أن الولايات المتحدة لم تقاطع دورة سوتشي كما قاطعت دورة موسكو التي تلت التدخل العسكري السوفياتي في افغانستان. لكنّ الملفت أن روسيا ما زالت تتصرّف على الطريقة السوفياتية. تعتقد روسيا- فلاديمير بوتين ان صرف الاموال واقامة حفلة افتتاح استثنائية للدورة سيغطي العورات التي يعاني منها البلد الطامح الى لعب دور القوة العظمى على الصعيد العالمي. ليس بهذه الطريقة تستطيع روسيا استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي…هذا اذا كانت هناك أمجاد للاتحاد السوفياتي.

لا يختلف اثنان على أن افتتاح دورة سوتشي كان حدثا متميّزا، بل رائعا، خصوصا أن مبالغ ضخمة وظّفت من أجل أن يكون الافتتاح عرضا استثنائيا بكلّ المقاييس. أظهرت روسيا- فلاديمير بوتين كم هي قادرة على الاستثمار في المظاهر. ولكن ماذا عن الاستثمار في ما هو أبعد من ذلك؟

هل عادت روسيا قوة عظمى على غرار ما كان عليه الاتحاد السوفياتي حتى أواخر التسعينات من القرن الماضي؟ هل يتحقق حلم بوتين الذي اعتبر في العام 2008 لدى الاعلان عن أن سوتشي فازت بتنظيم دورة الالعاب الاولومبية الشتوية في 2014 «أنّ روسيا عادت أخيرا الى الساحة الدولية كدولة قويّة يهابها الآخرون تقف على رجليها بقدراتها الذاتية»؟

هل هناك ما يبرّر ما ظهر من شعارات على بعض اللافتات الاعلانية التي رفعت في شوارع سوتشي من نوع «اليوم روسيا، غدا العالم»؟

قاطع معظم زعماء العالم الحرّ، في أميركا وأوروبا افتتاح الدورة الاولمبية. حتى ادارة باراك أوباما المعروفة بسذاجتها قاطعت. صحيح أنه كان في الافتتاح الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ونحو اربعين رئيس دولة ورئيس للوزراء، لكنّ الصحيح أيضا أنه لم يكن هناك زعيم أوروبي أو عربي له وزنه في سوتشي. كانت الصين التي حضر رئيسها استثناء. وكان حضورها بمثابة تأكيد لاهتمامها بالسوق الروسي الذي تصدّر اليه بضائع لا أكثر…

في النهاية، تبيّن ان روسيا لا تزال تعيش في عالمها الخاص ولم تستطع، على الرغم من مضيّ ما يزيد على عقدين على انهيار الاتحاد السوفياتي، من أن تتحوّل دولة طبيعية منفتحة على العالم وقادرة على الاستفادة من ثرواتها الكبيرة ووضعها في خدمة شعبها.

باختصار، لا يزال الاقتصاد الروسي في وضع متخلف. لا يزال يعيش،أساسا، بفضل واردات النفط والغاز واسعارهما. لم يستطع بوتين القيام بأي اصلاحات. لا سلطة قضائية مستقلة في روسيا، لا دولة مؤسسات، لا تزال الدولة تسيطر على الاقتصاد، لا تكنولوجيا متقدمة باستثاء تلك المرتبطة بالسلاح، لا يزال جهاز الموظفين الحكوميين الضخم عبئا على الاقتصاد الذي كان انهياره من بين الاسباب الاساسية لانهيار الاتحاد السوفياتي.

من يريد أخذ فكرة عن هشاشة الاقتصاد الروسي، يستطيع العودة الى مجلّة «ايكونوميست» الجدّية التي أشارت أخيرا الى أن الموازنة الروسية كانت قبل عشر سنوات في حاجة الى أن يكون سعر برميل النفط عشرين دولارا كي تكون موازنة متوازنة. في السنة 2012، ثمة حاجة الى سعر يوازي حوالي المئة وثلاثة دولارات للبرميل، كي تكون الموازنة متوازنة.

هناك ارقام مذهلة تعكس موقع روسيا على الخريطة الاقتصادية العالمية. فحجم التبادل التجاري بينها وبين الولايات المتحدة يبلغ ثمانية وعشرين مليار دولار سنويا. حجم التبادل التجاري بين روسيا والصين لا يتجاوز سبعة وثمانين مليار دولار سنويا على الرغم من الحدود الطويلة بين البلدين…أمّا حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والصين فهو خمسمئة وخمسة وخمسين مليار دولار سنويّا!

لا يمكن للألعاب النارية، مهما كلّفت من أموال وبارود ومهما خلقت الوانا، تغطية الفشل الروسي الذي كانت الاحداث الاخيرة في أوكرانيا أفضل تعبير عنه. اضطرت روسيا الى رشوة أوكرانيا من أجل أن تبقى في فلكها وعدم التوجّه أوروبيا. كان يمكن لانضمام أوكرانيا، على مراحل، الى أوروبا مساعدة هذا البلد في القيام بالاصلاحات الاقتصادية المطلوبة. انّها اصلاحات من النوع الذي لا بدّ منه في حال كانت أوكرانيا (الجمهورية السوفياتية سابقا) تريد أن تتقدّم فعلا بدل البقاء في أسر النظام الاقتصادي السوفياتي الذي ادى الى زوال القوة العظمى الثانية في العالم. أكثر من ذلك، كان يمكن لاتجاه اوكرانيا أوروبيا توفير نموذج لاقتصاد عصري مختلف ومنتج في بلد حدودي لروسيا. كان ذلك سينعكس ايجابا على روسيا نفسها.

كلّ ما يمكن قوله أن روسيا- بوتين لا تستطيع تقبّل الاصلاحات لا في الداخل ولا في الخارج، خصوصا في البلدان القريبة منها. وهذا ما يفسّر الى حدّ كبير ذلك الموقف العجيب الغريب من مأساة الشعب السوري. لم تستطع روسيا- بوتين أن تكون أكثر من تاجر سلاح يظنّ أن دورة الالعاب الاولمبية في سوتشي، التي كلّفت خمسين مليار دولار، ستبهر العالم.

كان يمكن صرف هذا المبلغ، الذي تدور تساؤلات في شأن مدى استفادة كبار الفاسدين منه، في ما يخدم الشعب الروسي. المؤسف أن هذا الشعب لن يلاحظ تغييرا يذكر يطرأ على مستوى معيشته. كلّ ما يمكن فهمه من رسالة سوتشي أنّ روسيا لا تستطيع أن تتغيّر وأنّ قيصر الكرملين يظلّ قيصر الكرملين، أكان اسمه ستالين أو بريجنيف…أو بوتين.

يظلّ على صعيد الشرق الاوسط، أن الاتحاد السوفياتي الذي أخذ العرب الى هزيمة 1967، سيأخذ سوريا في السنة 2014 الى مزيد من التفتت ولكن باسم روسيا. لم يتبدّل شيء ولن يتبدّل شيء في موسكو. ليس ما يشير الى أنّ روسيا- بوتين، التي تعتقد أن في استطاعتها تغطية هشاشة اقتصادها عن طريق الالعاب النارية، تريد أن تتعلّم شيئا من دروس الماضي القريب.

الاكيد، أن ليس بالطريقة التي بنيت بها منشآت سوتشي ولا برشوة أوكرانيا ولا بالمشاركة في ذبح الشعب السوري، يمكن انشاء مثل هذا الاقتصاد.

السابق
“الخطوط الجوية النمساوية” تستأنف رحلاتها الى ايران في اذار القادم
التالي
مفاجأة مقتدى الصدر: قطيعة جديدة مع السياسة