الخوف من الدين

الاسلام السياسي ماليء الدنيا وشاغل الناس، منذ بدايات النهضة حتى اليوم . هو الخصم والحكم. فهل هو من أعراض أزمة النهوض العربي أم أنه الأزمة ذاتها أم  أحد أسبابها ؟

بدأ على شكل حركة اصلاح ديني في نهايات القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر ، مع الوهابية في الحجاز و السنوسية في ليبيا والمغرب العربي و المهدية في السودان ، وغيرها من الحركات الدينية في اليمن والعراق . وإلى تلك الفترة الزمنية  يعود أصل المشكلة الراهنة، فهل إليها أيضا أم إلى أبعد منها تمتد جذورها؟

إنه أصل الأزمة لأن برنامجه في الاصلاح جاء بعكس المجرى العام للاصلاح في الحضارة الجديدة ، أي الحضارة الرأسمالية الوافدة إلى بلادنا من أوروبا عبر السلطنة العثمانية. ولئن  أصاب حين رأى في الجهل عقبة كأداء أمام التطور، فطرح برنامجا ثقافيا للاصلاح من غير أن يوفر الموجبات المادية لنجاحه ، فهو أخطأ حين اعتقد أن الفقر ناجم عن سوء التوزيع فحسب لا عن سوء الانتاج أولاً، وأخطأ لأنه لم يصدق أن فضيلة الحضارة الجديدة تكمن في توفيرها سبلا ومصادر للوفرة وغزارة الانتاج لمعالجة القلة ، وأن ذلك يتطلب تغييرا جذريا لا في مستوى الوعي الديني فحسب ، بل في كل عوامل الانتاج الثقافي منها والمادي ، وفي إدارة ذلك الانتاج على وجه الخصوص ، أي في الإدارة السياسية .

حركة الاصلاح  الديني في العالم العربي وضعت العربة أمام الحصان ، لأنها بدأت بحثها في إدارة الانتاج قبل تأمين متطلباته ومستلزماته ، وتحولت منذ البداية إلى حركة سياسية غايتها الوصول إلى السلطة أو على الأقل الحؤول دون تجديدها، بغية الحؤول دون أي تجديد محتمل لا في الثقافة ولا في الاقتصاد ولا في السياسة ، ودفعها جمودها الفكري حتى الغرق في مناهضة أي تجديد حتى في الحقل الديني بالذات ، ما وضعها منذ لحظات الاستقلال الأولى في مواجهة الدولة الناشئة ، فارتكبت خطيئتها الثانية حين لم تتردد في استخدام العنف تعبيرا عن موقفها المعارض .

اعتراض حركة الاسلام السياسي على الحضارة الجديدة لم يكن كاعتراض سواها. هي رفضتها جملة ومن حيث المبدأ ، وبدت ، في نظرها ، بمثابة ” جاهلية القرن العشرين” ، ما جعلها تلتقي في رفضها المبدئي مع موقف اليسار الماركسي الذي استوقفه من آليات الرأسمالية الاستغلال والاستعمار ونهب فائض القيمة ، مع أنها افترقت عنه في موقفها السلبي من الماركسية والفلسفة المادية وفي موقفه من الدين والفلسفة المثالية . ولئن كانت قد تعرضت ، بسبب موقفها السلبي هذا، لقمع السلطات الحاكمة ،فهي اختارت التحالف مع المعسكر الغربي ضد الشيوعية وبلغت ذروة قوتها في قتالها ضد التدخل السوفياتي في أفغانستان .

انتعشت حركة الاسلام السياسي بعد انتصار الثورة الإيرانية ، وتحولت إلى حركة مختصة بممارسة العنف في كل مكان من العالم ، من أميركا اللاتينية إلى أوروبا إلى قبرص وبلغاريا،  إلى نيجيريا في أفريقيا ، إلى منطقة المتوسط العربية الملتهبة، من المحيط إلى الخليج ، من الجزائر وليبيا وتونس والمغرب إلى ومصر والسودان وغزة وفلسطين والعراق وسوريا ولبنان وتركيا وأفغانستان، الخ . وبات لا يخلو يوم من أعمال القتل التي يقف وراءها إسلاميون لا يميزون بين مسلم ومسيحي ومواطن وسائح أجنبي.

استحضرت الحركة كل معالم البداوة وعلاقاتها السياسية والاجتماعية والثقافية ، فتخرج من صفوفها الأمير والداعية وشيخ الاسلام والمتيمنون بأسماء الصحابة ، يرخون لحاهم ويستبدلون العمامة، تخفيفا لوزنها وحجمها، بقلنسوة أو شال خفيف، ويطلقون الفتاوى والأحكام والخطب، ويجمعون حولهم الأتباع ويوزعون عليهم مهمات القتل وعلى خصومهم تهم التكفير والردة والعمالة للشيطان الأكبر ، الخ .

واستحضرت ، إلى جانب كل ذلك ، التباس العلاقة بين الدين والسياسة وسؤالا بديهيا عن جذور هذا العنف الدموي ،وهل هو من نتاج رؤوسهم الحامية فحسب أم أنه من تأويل النص المقدس؟  الاحتمال الثاني يحملنا على الخوف من الدين ونصوصه ومؤوليها ومفسريها . أما الاحتمال الأول فيحملنا على  الخوف على الدين من حامليه والأئمة المزيفين .

السابق
الاب ضو زار رئيس المجمع الثقافي الجعفري
التالي
مجلس الوزراء يلتئم قبل ظهر غد في بعبدا