يبرود… معركة فاصلة في توقيت حاسم

معركة يبرود هي عنوان مرحلة اكثر خطورة قد بدأت فعلياً الآن اسمها حرب القلمون. ما جرى في قارة والنبك ودير عطية كان يهدف إلى تأمين الطريق الدولي، ودفع المعارضة من الهجوم إلى الدفاع. حين تسأل قادة المعارضة عما جرى في هاتين البلدتين، يقولون إنهما لم تكونا ضمن جبهات القلمون، كانتا فقط ممرات وطرق إمداد، وليس لسقوطهما تأثير حقيقي في المعادلات العسكرية في القلمون. تلك المعركة كانت إعلامية أكثر منها معركة حقيقية على الأرض.
كل من زار يبرود يشعر أن معركتها لن تكون سهلة، وربما لن تقل ضراوة عما جرى في القصير. فالمدينة التي كانت من أولى المدن التي انتفضت ضد النظام، أضحت رمزاً للمعارضة السورية.

ديموغرافيا
تحولت يبرود إلى ملجأ للنازحين من حمص، تضم أكثر من مئة وخمسين ألف نسمة. يختلف سكان يبرود عن قاطني قارَة والنبْك ودير عطية من حيث ولائهم للمعارضة. منذ بداية الأحداث لم تنخرط هذه المدن وأهلها في الحراك المسلح، وظلت محايدة إلى حد ما، وخلت من أعمال عسكرية حقيقية. ولهذا سعى أبناؤها قدر الإمكان إلى تجنيب قراهم وبلداتهم نار الحرب. فحين دخلت كتائب المعارضة قبل نحو شهرين لصد هجوم الجيش السوري على هذه البلدات ولا سيما في النبك، طالب الأهالي المقاتلين بالمغادرة، كي لا تتعرض منازلهم وممتلكاتهم للتدمير. انسحب المسلحون، فسيطر الجيش على المدينة. بعد أيام خرجت تظاهرات في النبْك تؤيد الجيش السوري وترفع صور الرئيس بشار الأسد. لعل غالبية مدن سورية باتت تصفّق لمن يوفر لها الأمان.
أما في يبرود فالوضع مختلف. الكثير من المقاتلين هم من أبناء هذه المدينة، أو من القصير، والأهالي الذين يسكنون يبرود هم ذوو هؤلاء. يقول أحد أبناء هذه البلدة: ”الناس اعتادوا القصف المستمر للبلدة، لهذا ترى الحياة تستمر على طبيعتها حتى أثناء القصف، فالبائعون لا يقفلون محالهم، والناس لا يذهبون للاختباء في منازلهم».
ومما يميز يبرود عن القصير، أن عدد المدنيين يقدر بعشرات الآلاف، وهو الأمر الذي قد يعوق تقدم الجيش السوري إن قرر اقتحام يبرود وشن هجوم شامل عليها. بينما عدد المدنيين في القصير كان يراوح بين خمسة آلاف وثمانية آلاف نسمة.

جغرافيا
تختلف يبرود عن القصير، فالأخيرة في معظمها سهول وأراض زراعية، ولا توجد فيها كثافة عمرانية… بخلاف يبرود التي تتمتع بتضاريس طبيعية (جبال وأودية ومغاور)، وفيها أحياء متداخلة وكثيرة. المعطيات الميدانية تشي بأن سيناريو حصار يبرود صعب جداً. ومن المتوقع أن يسعى الجيش السوري إلى إحكام الخناق شمالاً (النبك وجراجير والسحل)، والتقدم من جهة الشرق (مزارع ريما التي تدور فيها الاشتباكات حالياً)، أما من الجهة الجنوبية والغربية فلا يمكن حصارها. فمن الجهة الغربية توجد منطقة رأس المعرة وفليطة وبعدها جرود عرسال، وهي مناطق شاسعة وتسيطر عليها كتائب المعارضة، ولا توجد ثكنات للجيش السوري أو مناطق قريبة تابعة للنظام. أما من الجهة الجنوبية فتقع جبال القلمون وحوش عرب ومزارع رنكوس.
وتشكل جبال القلمون حيث تتمركز جبهة النصرة وجيش الإسلام، حداً فاصلاً بين المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وتبك التي يسيطر عليها النظام. فالمعارضة تسيطر على البلدات التي تقع في الجهة الغربية من هذه الجبال، أما النظام فيسيطر على معظم المناطق التي تقع شرق هذه الجبال. المقاتلون المتمركزون في هذه الجبال يؤمّنون الحماية للطريق الذي يربط يبرود برنكوس ويشكل قوات دفاع أساسية عن القلمون من الجهة الشرقية.

عسكرياً
تعتبر يبرود مركز الثقل الأساسي لمسلحي القلمون، إضافة إلى مزارع رنكوس وجبهة الجبل الشرقي القريب من الزبداني. ويقول أحد قادة المعارضة: «يبرود هي عاصمة القلمون، وسقوطها يعني حكماً سقوط القلمون، فهي الخزان الداعم لكتائب المعارضة في ريفي دمشق وحمص. معظم مستودعات الذخيرة ومعامل تصنيع السلاح موجودة في هذه المدينة، وكل المقاتلين مدربون».
يقدّر عدد المسلحين في يبرود بسبعة آلاف مقاتل. والقوة الضاربة هي لجيش الإسلام ثم جبهة النصرة، ثم أحرار الشام. أما الكتائب الأخرى فمعظمها من عناصر الجيش الحر الذين قدموا من القصير، ككتائب الفاروق المستقلة، ومغاوير القصير. تعتبر يبرود ومزارع رنكوس معقل جبهة النصرة، لكن الحقيقة أن شوكة النصرة ضعفت بعد مقتل الكثير من عناصرها في المعارك التي خاضوها، ففي معركة مهين وحدها سقط أكثر من 100 قتيل، فضلاً عن المكامن التي أوقعهم فيها الجيش السوري.
ويرى أحد قادة المعارضة أن طريق الهجوم الأساسي على يبرود سيكون من مزارع ريما. ومن المتوقع أن يكثف النظام القصف الجوي والمدفعي لإنهاك المعارضة، كما أن الجيش قد يتقدم من الجهة الشمالية (الجراجير، السحل).
لا يستبعد القيادي المعارض أن يدخل «حزب الله» من جهة معربون وحام إلى جبهة الجبل الشرقي (على تخوم الزبداني) ليخوض معركة مهمة مع حركة أحرار الشام. فإذا تمكّن الحزب من هزم كتائب المعارضة المسلحة، سيؤمّن مناطقه الملاصقة للجبال الشرقية كالنبي شيت والخضر حتى بعلبك. كما تتيح له هذه المعركة كسر الدرع التي تحتمي بها البلدات التي تقع وسط القلمون كعسال الورد ورنكوس والجبة. ويرى القيادي نفسه أن سيطرة الحزب على هذه الجبال ستمكنه من كشف الكثير من بلدات القلمون عسكرياً، وتقطيع أوصال الطرق، ومنع وصول الإمدادات إلى يبرود.
ومن المتوقع أيضاً أن يدخل الجيش من جهة رنكوس وتلفيتا، ليشغل قوات المعارضة، ويمنعها من إيصال الإمدادات إلى يبرود. وقد يتقدم أيضاً ليسيطر على تلة جبعدين الاستراتيجية، والتلال المحيطة بحوش عرب ليكشف منطقتي عسال الورد والجبة.

الحسابات والمعادلات
لا شك في أن ثمة حسابات دقيقة تتحكم في معركة يبرود، فالنظام يريد السيطرة عليها مهما كلف الأمر ليُطبِق على ريف دمشق، ويقطع طرق الإمداد إلى الغوطة وحمص، وطرق الإمداد من لبنان. وبما أن المفاوضات في جنيف لم تنجح، كان لا بد من استغلال الوقت لشن هجوم واسع وشامل على القلمون، بغية تعزيز موقع الوفد الحكومي خلال المفاوضات المقبلة.
أما «حزب الله» فهو بحاجة إلى إحراز نصر جديد، أولاً: ليكسر الشوكة الأقوى لمسلحي القلمون ويضيّق الخناق أكثر على عرسال. ثانياً: لتأمين القرى الموالية له، المحاذية للسلسلة الشرقية. ثالثاً: ليقول لجمهوره إننا قد ذهبنا إلى عقر دار صانعي السيارات المفخخة التي كانت تستهدفكم وتقتلكم، وقد نلنا منهم. لكن أمام هذه الأهداف، يخشى «حزب الله» الانعكاسات الأمنية على لبنان، وارتفاع وتيرة العمليات التي تستهدفه. فالهجوم على يبرود سيزيد حدة الاحتقان المذهبي، وسيدفع المئات من المسلحين للهروب إلى لبنان. كما أن النزوح القسري لعشرات آلاف اليبروديين سيلقي بظلاله الثقيلة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية على لبنان. لكن وفقاً لمعيار المصالح والمفاسد، فإن المصلحة في الهجوم على يبرود والسيطرة عليها، أكبر من أي مفسدة قد تنجم عن ذلك.
وتعتبر المعارضة السورية أن معركة يبرود هي إحدى المعارك الفاصلة في الصراع. وخسارتها تعني سقوط الغوطة الشرقية، وقطع طرق الإمداد من لبنان إذا تقدم الجيش السوري باتجاه عسال الورد. ويقول أحد قادة جيش الإسلام: «عملنا على تحصين المدينة بشكل كامل، وهناك ما يكفي من السلاح والمقاتلين، وسنستميت في الدفاع عن هذه المدينة الاستراتيجية».

السابق
حرب: عمل الحكومة يتوقف على حسم الموقف من ‘اعلان بعبدا’ و’الثلاثية’
التالي
الإنجاز اللبناني و ‘السجال’ بين ‘حزب الله’ وأبو قتادة