مواقف إيرانية تتخطّى وجود الدولة اللبنانية

في مناسبة الذكرى الـ35 للثورة الاسلامية في ايران، رفع المسؤولون الايرانيون الامنيون والعسكريون سقف تحدياتهم وتهديداتهم للولايات المتحدة الأميركية واسرائيل في رسالة سياسية واضحة تستهدف كما تقول مصادر ديبلوماسية مراقبة الرأي العام الايراني في الدرجة الأولى نظراً الى ان هذه الذكرى تزامنت واعادة واشنطن الكلام على بقاء الخيار العسكري على الطاولة في التعامل مع الملف النووي الايراني. الأمر الذي وفّر للمسؤولين الايرانيين فرصة استعادة خطاب جماهيري من خلال استذكار العداء لاميركا وعدم التهاون او التنازل أمامها في مقابل المفاوضات التي استؤنفت من جهة وحرصاً على اعطاء صورة لا تسمح باستضعاف ايران في المنطقة في شكل خاص من خلال تأكيد مواجهة الولايات المتحدة وامتلاك القدرة لذلك من خلال ارسال سفن حربية بالقرب من المياه الاميركية على الواجهة الاطلسية. وهناك ارتباط يراه كثر بين تذكير ايران بموقعها وقوتها عطفاً على استمرار استبعادها عن مجريات المفاوضات مع سوريا ما دامت المواقف شملت اعلان عضو في مجلس الشورى الايراني تدريب 300 الف سوري و50 ألف عنصر من “حزب الله” ربطا بالحرب في سوريا في اشارة الى تمتع ايران بهامش القدرة والحركة فضلاً عن النفوذ الكبير.

وثمة مصادر أدرجت الكلام الايراني المرتفع بصراع داخلي بين القوى الامنية والاستخباراتية من جهة، والتوجه الذي يقوده الرئيس حسن روحاني الذي صدرت له مواقف بالتوازي مع التهديدات الايرانية تتحدث عن “مكتسبات ضخمة” حققتها بلاده في مفاوضاتها مع الدول الست داعياً “المحامين الايرانيين الى درس دقيق لفحوى اتفاق جنيف واطلاع الرأي العام عليه” من جهة أخرى، والذي يقول كثر انه صراع جدي وليس ظاهرياً وان يكن يظهر اعتماداً لسياسة الصقور والحمائم في التعامل مع الغرب ومع الاميركيين تحديداً من أجل عدم الاستخفاف بايران وقوتها العسكرية. وهذا أمر من حق ايران القيام به بغض النظر عن السياسات التي تعتمدها وما يمكن ان يكون من هذه المواقف موجها للاستهلاك الداخلي او الى الخارج الاقليمي أو الدولي.

الا ان ما لفت في المواقف الايرانية المعلنة بحسب المصادر المعنية هو تحذير ايران من ان تعرضها لهجوم سيدفع “حزب الله” اللبناني الى “تدمير” الدولة العبرية، مما قد لا يضيف كثيراً الى معلومات او تكهنات الكثيرين حول مرجعية الحزب خصوصاً انه سبق للامين العام للحزب السيد حسن نصرالله ان شرح او جاهر بذلك في مناسبات عدة . الا ان قفز المسؤولين الايرانيين فوق لبنان الدولة أو وجود قرار لبناني كأنما لا وجود لهما في الاعتبارات الايرانية مسألة ترى المصادر وجوب ان تلقى اهتماما من المسؤولين اللبنانيين واستيضاح الرئاسة او القيادة الايرانية هذه المواقف التي تتجاهل سيادة لبنان واستقراره في حين ان الصمت على هذه المواقف يبدو وكأنه تسليم بواقع لا يمكن الدولة اللبنانية المس به او الاعتراض عليه علما انه لا يتصل بدفع او استثمار قدرة “حزب الله” كمقاومة في الدفاع عن لبنان في وجه اسرائيل بل عن ايران في حال هوجمت. وهذا الامر تقول المصادر ربما قد يزيد احراج الحزب في منطقه في هذا التوقيت مع انخراطه في الحرب السورية مما يوحي بانه بين الدفاع عن النظام السوري وعن ايران فان لبنان قد يكون في آخر سلم اولوياته في الحد الادنى، فضلاً عن ان المنطق الذي يدين به تسليح تنظيمات من مذاهب أخرى وفق ما يتهم بعض مسؤوليه دولاً اقليمية، لا يستوي ما دام تسليحه مرتبطاً بأسباب لا تتصل بالدفاع عن لبنان في الدرجة الاولى.

يضاف الى عوامل وجوب اهتمام المسؤولين اللبنانين بذلك ان المسألة ككل عبر المواقف الايرانية المعلنة تتحدى المبدأ الذي يحاول لبنان كدولة التمسك به لجهة تحييد نفسه عن محاور المنطقة والحرب فيها لمصلحة تجنيده في الحرب دفاعاً عن ايران، مما قد يعني استنتاجاً وصراحة ان ايران تتحكم بلبنان عملا بالمقولة التي بات يرددها مسؤولون فيها بوصولها الى المتوسط ولا ترعى او تدعم “حزب الله” فحسب.

وفيما يبدو الانشغال اللبناني الرسمي بتأليف الحكومة العتيدة سببا لعدم تسليط الانظار على المواقف الايرانية في الوقت الذي تلفظ حكومة تصريف الاعمال آخر أنفاسها، ترجح المصادر السياسية عدم رغبة المسؤولين التوقف عند هذه المواقف والتركيز عليها بالتزامن مع العملية القيصرية لتذليل العقد الحكومية وهدر فرصة مساهمة ايران في تمكين حلفائها وتحديداً “حزب الله” من تليين مواقفه من تأليف الحكومة حرصاً على عدم استفزاز مواقف معاكسة قد تعيد الامور الى الوراء، فضلاً عن ان الوضع حساس داخلياً على مستويات عدة خصوصا على المستوى المذهبي. ذلك علماً ان أياً من الافرقاء السياسيين لم يعلن موقفاً او يصدر تعليقاً على كلام المسؤولين الايرانيين على رغم سلبية ما يوحيه ذلك من التسليم بالنفوذ الايراني الذي حلّ مكان النفوذ السوري او بديلاً منه في لبنان وفق ما يرى كثر.

السابق
حزب الله: التسويات آتية.. والمقاومة تزداد قوة
التالي
الحياة: حزب الله رفض الجراح للداخلية لانه استفزازي