محادثات طالبان السرية قد تنقذ أفغانستان

باراك اوباما

إدارة أوباما مصدومة – مصدومة؛ لأن الرئيس الأفغاني حميد كرزاي كان يفاوض طالبان سراً. وتفسر المفاوضات السابقة التي لم يُعلن عنها ما وصفه مستشار البيت الأبيض جون بوديستا مؤخرا بسلوك كرزاي «الغريب» برفضه التفاوض حول اتفاق لإبقاء القوات الأميركية في أفغانستان بعد عام 2014.
ولكن ما هو الشيء الفظيع حول تفاوض كرزاي بصورة منفصلة مع نفس طالبان التي حاولت الولايات المتحدة مرارا أن تشركها وفشلت؟ في الواقع على الرغم من أنه يُحتمل جدا أن تكون طالبان تتلاعب بالرئيس الذي ستنتهي ولايته، فهو بالضبط نفس الشخص الذي يجب أن يحاول التفاوض على مدخل لطالبان إلى السياسة الأفغانية، لا ينطوي على القتل الجماعي لمن وقفوا إلى جانب الولايات المتحدة. لا شك أن كرزاي يحاول إنقاذ نفسه، ولكن هناك على الأقل فرصة بأن يستطيع إنقاذ أرواح العديد من الأفغان الآخرين أيضا.
إن زاوية بداية التحليل لجهود كرزاي واضحة من الموقف الاستراتيجي للولايات المتحدة في أفغانستان مقارنة بطالبان. فقوات الناتو لم تخسر قتالها ضد الجماعة ولكنها لم تنتصر أيضا. وفي حربٍ للاستنزاف، وهي ما ظل عليه النزاع في أفغانستان لمدة 12 عاما ونصف العام، فإن هذا الفشل في تحقيق النصر يعد نوعا من الهزيمة. حاولت إدارة أوباما إعادة تحديد أهدافها في أفغانستان بأنها حرب ضد «القاعدة». لكن ذلك لا يغير حقيقة أن الغالبية العظمى من موارد الولايات المتحدة خلال معظم هذه الحرب الطويلة أُنفقت على طالبان وحلفائها.
وبينما تسحب الولايات المتحدة قواتها من أفغانستان، سواء ليبقى منها عشرة آلاف جندي أو لا جندي، فإن طالبان لن تواجه بعد ذلك أكثر جيوش العالم تقدما من الناحية التقنية. بل ستواجه بضع مئات الآلاف من القوات الأفغانية الحديثة التدريب بروح معنوية مترددة واستعداد قتالي يعد متقلبا في أفضل أحواله. ربما يستطيع الجيش الأفغاني الاستمرار في مكافحته للتمرد بشكل فاعل لسنوات وربما لأشهر. ويعتمد ذلك كثيرا على مدى دعم الولايات المتحدة. في الحالتين تستطيع طالبان انتظار الولايات المتحدة كما فعلت منذ البداية. وأخيرا إما أن تتوصل الحكومة الأفغانية إلى تسوية مع طالبان أو أن تهزمها. وتقر إدارة أوباما بقدر ما تسعى دون نجاح للتفاوض مع طالبان نفسها بتعليق جهودها التي كانت آخرها في يونيو (حزيران) 2013.
وكان كرزاي انتقد علنا محادثات الولايات المتحدة وطالبان ورفض الانضمام إليها، فهو يفهم جيدا أن الحلف الأفغاني مع الولايات المتحدة هو رصيد متضائل كلما اقترب موعد سحب القوات. وحسب الدستور الأفغاني فقد لا يترشح كرزاي لفترة رئاسية أخرى، ولذلك إن أبقت الولايات المتحدة القوة خلف العرش، فسيكون عليه التنحي في الربيع. وسيترك له ذلك خيار إما البقاء في أفغانستان عرضة للانتقام على القتل من طالبان أو الرحيل إلى المنفى من وطن قاده على مدى عقد.
الأمر الرئيسي الذي على كرزاي عرضه على طالبان هو فرصة تولي الحكومة دون كثير من القتال. وما سيسعى للحصول عليه في المقابل هو ربما الحفاظ على حياته وربما إعطاؤه شيئا من الاحترام والأهمية، بل وربما نوعا من الدور الرسمي في الحكومة التي تسيطر عليها طالبان مستقبلا. ربما يعتقد كرزاي أن لديه فرصة ليصبح رئيسا صوريا لطالبان. وسيساعد ذلك طالبان على حل مشكلة الشرعية الدولية. كما أن لديه سنوات من الخبرة كرجل في الواجهة بالنسبة للأميركيين. وقد تدرك طالبان مزايا المشاركة في المجتمع الدولي وهو طموح لم تأخذه طالبان بجدية عندما حكمت أفغانستان بين 1996 و2001.
المشكلة هي أن طالبان تعلق كرزاي كما علقت الولايات المتحدة بالتلويح بإمكانية المفاوضات، فقط لاستئناف العنف. ولكن ماذا في ذلك؟ لنفرض أن طالبان تلعب لعبتها الطويلة المعتادة، فلن يكون كرزاي لا الأميركيون في موقف أسوأ بالتفاوض مع طالبان من عدمه. كما أن لجهود كرزاي احتمالا إيجابيا تفتقر إليه مفاوضات الولايات المتحدة. كما أن الحفاظ على حياة كرزاي وتحمل بقائه سيكون إشارة قوية للأفغان الذين يتحالفون مع الولايات المتحدة بأن حكم طالبان لن يأتي بانتقام وحشي. لعل طالبان تسأل نفسها الآن ما إن كانوا سينخرطون في إزالة آثار الأميركيين في مرحلة ما بعد النزاع الأفغاني. إن لمحة إلى جهود الولايات المتحدة لاجتثاث البعث في العراق والتي أدت إلى إراقة الدماء والفوضى، ربما تكون كل ما يحتاجونه ليخلصوا إلى أن المزايا لا تساوي التكاليف. فلماذا اللجوء إلى عهد من العنف إن كان الشعب راغبا أصلا في قبول حكمك؟ ربما كان الالتزام الأخلاقي الأعمق الذي نواجهه في تركنا لأفغانستان هو في مواجهة أولئك الأفغان الذين وقفوا بجانب الولايات المتحدة خلال سنوات بصفتها دولة غازية ومحتلة ومدافعة عن بلدهم، مقدمين تضحية كبيرة ومعرضين أنفسهم لخطر شخصي كبير. إنهم أكثر من هم في خطر جسيم بعد تولي طالبان للحكم، أفضل من يعرفه أولئك الناس في السراء والضراء هو كرزاي رغم عيوبه. وربما كان صراعه للحفاظ على حياته هو أفضل فرصة لمساعدتهم على الحفاظ على حياتهم أيضا.

السابق
سوريا والمسؤولية العالمية
التالي
جون كيري وزير في مهمة