هل تكفي الصلاة؟

لم تتنبه قوى ١٤ آذار على الارجح الى تأصل نظرية “التلزيم” التاريخية التي تستوطن ما يوازي العقيدة لدى خصومها في معسكر ٨ آذار في كل ما يتصل بالتطورات الميدانية والديبلوماسية في الازمة السورية الى ان اصيبت عملية تشكيل الحكومة بسكتة دماغية استلزمت جراحات قيصرية متعاقبة. ولمن فاتته مراجعة الخط البياني لهذه النظرية فهي ترقى في اصولها الاولى الى دخول القوات السورية الى لبنان “رسميا” في العام ١٩٧٦ والتي اقترنت آنذاك بنشوء الخط الاحمر عند نهر الاولي في اتفاق ضمني بين سوريا واسرائيل هندسه هنري كيسينجر. لم يقف الامر عند هذا الحد بل كان اتفاق الطائف نفسه ذروة نظرية التلزيم بتفويض الوصاية السورية ادارة مرحلة ما بعد الحرب اللبنانية الى ان انفجرت ثورة ١٤ آذار ٢٠٠٥ واطاحت عصر الوصاية.

شيء كثير من هذا يعود الآن الى سوريا نفسها ويتفشى في الاتجاه اللبناني مع ما يتجاوز رهانات الحلفاء منذ انعقاد الجولة الاولى من مؤتمر جنيف – ٢. بتباه لا يخفيه كثر من الحلفاء يتصاعد الكلام عن “تعليق” اللحظة اللبنانية وربطها بكل استحقاقاتها حتى الرئاسية على بت “الحسم” العسكري في سوريا المعقود اللواء للنظام، في نظر ٨ آذار. وبصرف النظر عما يمكن ان تسفر عنه معركة يبرود يستيقظ حلم التلزيم بقوة، وهذه المرة على قاعدة محاربة الارهاب والتكفيريين، كأولوية دولية ستقيم زلزالا في الحسابات اللبنانية.
برفة جفن تعود الازمة اللبنانية الى ما قبل بداية البدايات كأن حقبة عهد ونصف عهد منذ اندلاع شرارة ازمة التمديد للرئيس اميل لحود لم تمر. تعود الازمة الى مصاف رهانات مدمرة يغرق السوريون انفسهم في بحر دمائها ويتقلب لبنان على شظايا انعكاساتها الامنية والسياسية والاقتصادية وموجات الفتنة التي تتصاعد منها. لن يسأل احد بطبيعة الحال عن “اعلان بعبدا” الشهيد ولا عن سائر الشهداء البشريين ومشاريع الشهداء المتراصفين. ولكنه مجرد سؤال يمليه عقم الانتظار بعد ١١ شهرا من ازمة حكومية حجر عليها جفاف وتعطيل حتى لو ولدت الحكومة بعد طول انحباس: هل ترانا امام يأس مطبق من امكان الفصل النسبي بين مصير النظام السوري والاستحقاقات اللبنانية المتراكمة؟ وتاليا هل ترانا ربطنا ربطا قسريا لا فكاك منه الى ما بعد بعد يبرود وحمص وحلب وحزيران السوري الحاسم في تقرير مصير الرئيس السوري ما دام العالم اعتاد تجارب الفراغ في لبنان الذي يمكنه الانتظار الابدي؟
بالامس طلب احد المراجع الدينيين صلاة الاستسقاء لمطر هرب من لبنان وتركه نهبا لجفاف مخيف. لعلنا في حاجة الى صلاة مماثلة لاستسقاء الشفاء من عقائد متيبسة.

السابق
المنار: وزارة الداخلية ما تزال تشكل عقدة أساسية عند 8 آذار
التالي
الموت بصمت