تعاونٌ إستخباري خليجي وراءَ الإنجاز الأمني اللبناني

هل يمكن اعتبار «اليوم الأمني» الذي شهده لبنان أمس الأول إنجازاً معزولاً عن الأحداث الجارية فيه وحوله، والتي تعبّر عن دلالاتٍ سياسية بالغة الأهمية على رغم طابعها العلني الأمني؟
تُصنّف بعض الأوساط الديبلوماسية العربية في واشنطن ما جرى في خانة الإيجابية، لكنها تؤكّد في الوقت نفسه أنّ الأمر متّصل بتطورات سياسية، وبتنسيقٍ أمني واستخباري شاركت فيه جهات عربية نافذة، ما عُدّ رسالة إيجابية تجاه لبنان عموماً وإعادة رسم خريطة سياسية من مدخل أمني للأحداث الجارية فيه وحوله.

فانهيار الموقوفين على هذا النحو، واعترافاتهم التي قادت الى كشف السيارات المفخخة والأسلحة والصواريخ التي قيل إنها كانت مُعدّة للإطلاق على منطقة لبنانية، لا يمكن تفسيره إنجازاً “جنائياً” فقط، بمقدار ما هو عملية إستخبارية أُوكل تنفيذها الى الجيش اللبناني.

ولعلّ هوية الموقوف نعيم عباس تطرح علامات استفهام كثيرة حول أصوله ودوره والمهمات السابقة التي نفّذها في العراق وسوريا وصولاً الى لبنان. والأهم من كلّ ذلك أصوله السياسية، فهو من حركة “الجهاد الإسلامي” الفلسطينية المعروفة بارتباطاتها السياسية والإستخبارية مع دولة إقليمية، تؤدّي دوراً أساسياً في دعم النظام السوري في حربه على المعارضة.

بات شبه مؤكد أنّ الحديث عن تنسيق عربي ـ خليجي ـ غربي، وتحديداً مع الولايات المتحدة الأميركية، في تطويق الحركات الجهادية التي تمثّل خطراً وجودياً ليس على المعارضة السورية فحسب، وإنما على دول المنطقة عموماً وواشنطن خصوصاً، يُترجم عملياً على الأرض بغية تهيئة الظروف الملائمة عشية استحقاق التغيير السياسي المقبل في سوريا، قبيل موعد الإنتخابات الرئاسية فيها.

ولعلّ زيارة وزير الداخلية السعودية الأمير نايف بن سلطان لواشنطن تكتسب أهمية خاصة، ليس فقط استعداداً لزيارة الرئيس الأميركي باراك اوباما للسعودية الشهر المقبل، بل لترجمة البحث في ملفات إقليمية عدّة، وفي مقدّمها الأزمة السورية والعلاقة مع إيران.

وفي هذا السياق، كشف مسؤول في الخارجية الأميركية أمس الأول انّ “الوزير جون كيري أبلغ الى الوزير السعودي التزامَ واشنطن إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، وتنسيق الدعم للمعارضة الديموقراطية السورية في مواجهة النظام والحركات الجهادية المتطرّفة”.

والبارز في الحركة السياسية الناشطة، سواء في واشنطن أو نيويورك، هو اللغة المختلفة التي بدأت تطغى على الخطاب الأميركي، خصوصاً لدى دوائر صنع القرار، حول الآفاق المحتملة للوضع في سوريا. ولفت هنا تأكيد المتحدثة بإسم الخارجية ماري هارف أنه “على رغم أنّ التركيز منصبّ على حلّ ديبلوماسي في سوريا، إلاّ أنّ كلّ الخيارات مطروحة على الطاولة لوقف البراميل المتفجرة…” وتشديدها على دعم بلادها القوي لمسودة القرار المتداوَل في مجلس الأمن حول الوضع الإنساني فيها، ودعوتها الروس الذين عبّروا عن قلقهم إلى أن يُقرنوا أقوالهم بأفعال ويتّخذوا خطوات لتحسين الوضع الإنساني على الأرض.

وقالت هارف: “إنّ القلق الروسي من استخدام القرار الإنساني لأغراضٍ عسكرية يقتضي من موسكو تمرير القرار الإنساني أولاً، في حين أنّ نقاش المسائل الأخرى ينبغي أن يحصل في مكان آخر وليس في مجلس الأمن”، في اشارة الى الأزمة الأوكرانية.

وتُنبّئ المعطيات المتوافرة بحصول مواجهة سياسية قاسية في أروقة الأمم المتحدة خلال الأيام المقبلة، خصوصاً انّ الإدارة الأميركية رفعت درجة ضغوطها السياسية ولهجتها، سواء حيال إيران او روسيا، فضلاً عن النقاشات المتواصلة في أجهزة الأمن والإستخبارات الأميركية حول الوضع في سوريا. فالأميركيون يدركون أنّ الطريق الى تقديم الأطراف المعنية تنازلاتٍ لا يستقيم بمعزل عن التلويح بإجراءات آحادية. هذا ما حصل مجدداً في ملف السلاح الكيماوي قبل يومين، عند الإعلان عن تسليم دمشق شحنة جديدة من مخزونها قبيل بدء جلسة المفاوضات الثانية في جنيف، بعد التحذير الصارم الذي تلقته عبر موسكو.

وتعتقد أوساط أميركية انّ على رغم عدم امكان الحديث عن حلّ سريع للأزمة السورية، الّا انه يُمكن القول إنّ مسار البحث السياسي ماضٍ نحو أهدافه، وقدرة الأطراف، خصوصاً الروس، على تعطيله ستضعف يوماً بعد يوم، حين تشعر أنّ هامش المناورات بدأ يضيق أكثر فأكثر، بفعل عوامل كثيرة سيدركها الروس شيئاً فشيئاً.

السابق
اجراءات امنية للجيش في صيدا
التالي
هل المشكلة في النظام السياسي أم في عقول اللبنانيين؟