«السعودية» في مركز عصام فارس: إيران هي العدو

لم يلتزم الدخان البسيط المنبعث من «كوهيبا» النائب نهاد المشنوق بضرورة البقاء خارج قاعة مركز عصام فارس. ترك المشنوق السيجار في عهدة مرافقه، على الحوض الرخامي أمام مدخل القاعة، وانتقل سريعاً إلى الداخل ليسلّم على شريكه في المنبر، الصحافي أمين قمورية، وبينهما ابتسامات السفير السابق عبدالله بو حبيب، والمرشح الدائم عن المقعد الماروني في دائرة بيروت الأولى مسعود الأشقر.

عنوان الندوة دسم، والمحاضِرَان، المشنوق وقمورية، على مقلَبَي نقيض في الموقف من «الدور السعودي والنظام الإقليمي الجديد». الخامسة والنصف من عصر أول من أمس اكتمل الحضور، ووضع أبو حبيب، بكلماتٍ مختصرة، عنوان النقاش بين يدي المحاضِرَين والحضور، مقتضباً كلاماً عدّد فيه بعض «المتناقضات» في السياسة الخارجية السعودية التي «حاربت الثورة في مصر وتونس، ودعمتها في سوريا».
25 دقيقة كَثَّف فيها قمورية تلخيص الدور السعودي منذ أفول الدور المصري عن الساحة العربية. في اعتقاد قمورية، «الدور السعودي في قمة العشرين ليس منّة من أحد، بل لنفوذها الواسع ليس نفطياً فقط، بل سياسياً». وأضاف: «يخطئ من يعتقد أن السياسة السعودية مجرد مواقف آنية تعكس أهواء أشخاص، بل للمملكة منذ نشأتها سياسة خارجية حازمة ومدروسة واستراتيجية، تعتمد ثقلها الروحي وموقعها الاستراتيجي وفوائضها المالية». وربط تعاظم الدور السعودي بضعف النظام الرسمي العربي، وبغياب قوى كمصر ومن ثمّ سوريا في السنوات الماضية، كما ربط بين التوجهات السعودية والنفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة، بشكلٍ حاسم، معتبراً أنه «بدلاً من أن تعمد المملكة إلى فتح حوار مع جارتها والتعاون معها ومحاولة استيعابها لتثبيت الاستقرار في المنطقة، بلغ التنافس أشده بين الطرفين على الزعامة الإقليمية». وعدّد إخفاقات السعودية في كلّ من اليمن والعراق وسوريا والبحرين، في مقابل نجاحات إيران في هذه الدول، وكذلك علاقتها المأزومة بالولايات المتحدة بعد الاتفاق الإيراني ــ الغربي حول الملف النووي. وختم معتبراً أن «السعودية تعيش في الوقت الراهن أسوأ مراحلها من حيث خسارتها لأكبر شبكة تحالف صنعتها لعقود طويلة ودفعت فيها مئات مليارات الدولارات».
اختار المشنوق أن يبدأ مداخلته بالأرقام، فذكر أن «السعودية تشكل 20% من الدخل القومي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وربع القوى للدول العربية، وهي عضو في مجموعة العشرين، والبورصة السعودية تمثل أكثر من 50% من تداول بورصات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والسعودية هي الدولة الثالثة في العالم من حيث احتياطها النقدي البالغ 850 مليار دولار، والسعودية الدولة الأولى في العالم في مجال تصدير النفط، بينما الثروات الشخصية تزيد على خمسمئة مليار دولار». وقال إنه يقرأ «منذ 2005 مقالات ودراسات تتحدث عن المخاطر التي يعيشها الحكم في السعودية»، ومع ذلك «توفّي وليّان للعهد، وسمّي الأمير سلمان الثمانيني ولياً للعهد، وغداً بعد عمر طويل، عندما يرحل الملك الحالي، وهو الخامس، سيصبح ولي العهد ملكاً، وسيسمّي ولياً للعهد بسلاسة لا يتوقعها أحد». وأشار المشنوق إلى أن «الأثر الأول للانكفاء المصري والتنافس البعثي السوري العراقي كان قيام مجلس التعاون الخليجي». وأكد أن هناك ثلاثة مخاطر على الأمن القومي العربي: «الخطر الإسرائيلي الدائم، خطر تصدير الثورة الإيرانية والأخطار المترتبة على الانقسامات العربية الداخلية». وقال إن «مرحلة ما بعد غزو العراق عطّلت نهائياً النظام الرسمي العربي، وكان أمام السعودية إما أن تنكفئ على نفسها داخل مجلس التعاون في ظلّ الدور الإسرائيلي والإيراني والتركي، أو أن تعمل على البقاء حاضرة في المشرق العربي». وأشار أيضاً إلى أن السعودية «لم ترحب بالثورات العربية لخوفها على بقايا الاستقرار في المنطقة»، لكنها «نهضت في النصف الثاني من عام 2013 باعتبارها الطرف العربي الرئيسي في مكافحة الإرهاب الإيراني والقاعدي». المفارقة أن أحد أبرز الحاضرين علّق على كلمة المشنوق همساً: «ما قاله المشنوق من دفاع منطقي متسلسل عن السعودية، وتظهير السعودية على أنها دولة وليست قبيلة، لا يستطيع السعوديون أنفسهم فعله».

السابق
الموت بصمت
التالي
«حزب الله» يترك للحريري مهمَّة إحراق عون