انجازٌ كبير… لكنّ المخاطر أكبر

انجاز كبير للجيش تححق باعتقال نعيم عباس الرأس المدبر وحلقة الربط بين الخلايا بمهماتها المختلفة، والاهم انه كان العقل المخطط والذي ينسّق بين مراكز التفخيخ في يبرود والاهداف المحددة في الضاحية الجنوبية لبيروت.

هنالك مَن يعد نفسه بمعلومات ثمينة كلما تقدم التحقيق وهو ما دفع السفارات الاجنبية الى الطلب من السلطات اللبنانية وضعها في بعض جوانب هذه المعلومات، خصوصاً تلك المتعلقة باستهداف مصالحها، إن في لبنان او على مستوى الساحات الأُخرى.

إلاّ أنّ الأهم ما تكشّف من خطورة المرحلة التي دخلها لبنان والتي ستتفاقم بعد سيطرة الجيش السوري على يبرود. ففي الامس إكتُشفت سيارتان مفخختان كانتا على وشك تنفيذ مجزرتين وفق توقيت متقارب، اي رفع درجة الضغط ومستوى القتل الحاصل.

وقد لا تكون يبرود وحدها الدافع الى رفع درجة الاستهداف، فكلّ شيء يشجع في هذا الاتجاه، والساحة اللبنانية المفككة والغنية بكل انواع التناقضات والتي تبقى صندوقاً ممتازاً للبريد الدموي وفق عناوينه الاقليمية والدولية المختلفة تشكّل منطقةً مثالية.

فإجتماعات “جنيف – 2” أفضت الى نتائج معبّرة، على رغم عدم تسجيل ايّ تقدم فعلي وكبير. فلقد بات واقعاً قبول الطرفين بعضهما ببعض وتبادل الاعتراف وهذه نقطة اساسية ومهمة. والاصح انّ لا مكان للتنظيمات المتطرّفة، لا بل إنها باتت تشكل الهدف الاول المشترك للطرفين السوريين، اضف الى ذلك البدء بتطبيق سياسة تجفيف مصادر التمويل وقطع طرق الامداد والتي كانت قائمة عبر تركيا وبعض مناطق العراق، اضافة الى لبنان من خلال القلمون.

وهذه المجموعات تدرك جيداً انّ اجتياح القلمون بكاملها لا يشكل نهاية اهداف النظام السوري، فهنالك من يتحدث عن استمرار الحملة الجوية السورية في اتجاه التلال المحيطة بعرسال.

وإنّ هذا “الاجتياح” الجوي لن يتوقف الّا بعد تدمير البنى التحتية للمجموعات المتطرفة والتي أُنشِئت طوال المرحلة الماضية، على أن تتوقف الحملة الجوية بعد صوغ حلٍّ كامل تتولاه السلطات اللبنانية ويوكَل الى الجيش اللبناني ويقضي بالانتشار الميداني الشامل في المنطقة وامساكه بكل الارض، ما يعني فقدان هذه المجموعات حرية الحركة التي كانت تتمتع بها في تلك المنطقة وانحصار وجودها في عكار وبعض المخيمات الفلسطينية وفي طليعتها مخيم عين الحلوة، حيث تفيد التقارير الامنية أنه اصبح في واقع مقلق نتيجة تصاعد نفوذ الاسلاميين، والاهم حال التفكك والتحلل التي تعيشها حركة “فتح”.

وفي الدوافع أيضاً الإشارات الايجابية الصادرة من ايران والتي تنبئ بوجود ايجابيات تظلّل المرحلة الثانية من المفاوضات ما بين واشنطن وطهران والمقدّر لها الاستمرار طوال الاشهر الخمسة المقبلة.

وفي الدوافع ايضاً التواصل السعودي ـ الايراني والذي هو على وشك أن يبدأ، وحيث سيشكل لبنان ساحةَ الاختبار الاولى له، إن لجهة انجاز تفاهم حول الاستحقاقات المنتظَرة وفي طليعتها استحقاق رئاسة الجمهورية، وإن لناحية تأمين المناخ الملائم والذي يساعد الجيش اللبناني في انجاز مهمة استعادة السيطرة على كلّ الرقعة الجغرافية اللبنانية.

كذلك، في الدوافع ما بات يتردد في الكواليس عن تقدم حصل على مستوى المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية الى درجةٍ انّ القيادة الفلسطينية باتت في اجواء حصول تفاهم على “إعلان نوايا” بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي مطلع الصيف المقبل.

صحيح ذلك يعني أنّ ما زال هنالك مسافة يجب اجتيازها قبل الوصول الى التسوية المطلوبة، لكن يجب الاعتراف ايضاً بأنّ “اعلان النوايا” المشترك سيعتبر محطة اساسية ينقل معها الملف الفلسطيني من واقع الى آخر، لكنّ المخاطر تبقى كبيرة في ظل رفض المتطرفين الاسرائيليين والفلسطينيين على حدّ سواء.

ففي اسرائيل حملاتٌ شعواء ضدّ أيّ اتفاق وتصاعد تحركات الراديكاليين كمثل الوزير نفتالي بينيت Naftali Bennett والذي يترأس تيار “البيت اليهودي” والذي يدعو الى المباشرة فوراً بالعمل على نسف خطة الوزير جون كيري من خلال البدء بتطبيق سياسة الاستيطان المتوحش (العشوائي).

في المقابل وفي ظلّ تراجع قدرة حركة “حماس” لألف سبب وسبب، بدت التيارات الفلسطينية الاسلامية أكثر حرية في التحرك ووفق وتيرة تصاعدية ناشطة في مقابل تراجع حضور حركة “فتح”، خصوصاً في المخيمات الفلسطينية في لبنان وفي طليعتها مخيم عين الحلوة. وهو ما يعني انّ لا بدّ من حصول تنسيق ميداني بين الاسلاميين اللبنانيين والعرب والفلسطينيين واستعمال الساحة اللبنانية صندوقاً لارسال اشارات الاعتراض.

وصحيح انّ هذه الدوافع تبقى وفق عناوين مختلفة، لكنّ اهدافها تبقى متقاربة ما يدفع المعترضين الى التكاتف والتفاهم حول تحركات موحدة.
لذلك بدت أخبار الأمس كبيرة، لا بل مرعبة، وهو ما دأبت الاوساط المراقبة على التحذير منه أخيراً: سيارتان تنفجران في توقيت زمني متقارب، وهجوم انتحاري مثلث يشارك فيه العنصر النسائي للمرة الاولى وصواريخ تنهمر على الضاحية في مناسبة اساسية.

طبعاً لا بدّ وأن تحمل تحقيقات الأيام المقبلة مزيداً من المعلومات المهمة. لكن، وعلى اهمية ما حدث فإنّ من السذاجة بمكان الاعتقاد بأنّ خطر التفجير قد زال. وصحيحٌ أيضاً انّ ما إكتُشِف يبقى صيداً ثميناً لكنّ الغابة ما تزال تضج بالوحوش المفترسة. فالمعطيات الاقليمية المتنوعة تنبئ بأنّ التعاون بين المتضررين بدأ، وانّ هؤلاء سيشهرون السلاح الوحيد الذي يحملونه: الارهاب.

وبما انّ ساحة لبنان تبقى مفتوحة و”مضيافة”، والانقسامات الداخلية تشكل “واحة استقرار” لهؤلاء، اضف الى ميزة توجيه الرسائل الموجعة الى كل الاطراف المطلوبة، فإنه لا بدّ من توقع استعادة هؤلاء لزخمهم وتوجيه ضربات أُخرى منها ما هو انتقامي تجاه الجيش اللبناني وآخر سياسي على وقع سقوط القلمون بكاملها وانتقال اللهيب الى جرود عرسال، المنطقة التي تأخرت الدولة في معالجة مشكلتها عند بدايتها واستردادها الى كنف الامان وتجنيبها الكأس المُرّة التي تنتظرها.

السابق
نعيم عباس: من معجب بـ«حزب الله» إلى عدوّ لدود
التالي
الجيش يبحث عن سيارة ثالثة مفخخة