الإنجازات الأمنية بين الحقيقة والفبركات

الذاكرة اللبنانية تختزن ذكريات سوداء عن مرحلة الوصاية السورية التي عملت على تحويل المؤسسات الأمنية والقضائية اللبنانية الى مجرّد أدوات تحرّكها أجهزة الاستخبارات السورية حينها، عندما أدخلت اليها فنّ تركيب الملفات واختراع التهم غب الطلب. هذه الذاكرة تخرج إلى الفايسبوك من خلال طرح عشرات التساؤلات والاستفسارات بعد كل حدث!

بعد كل اعلان عن انجاز تحققه القوى الأمنية في لبنان سرعان ما بنقسم اللبنانيون بين مصدّق مشيد من جهة، ومكذّب مهاجم من جهة أخرى.

هذا الواقع لا يقتصر على طرف سياسي بعينه، بل هو حالة عامة عند الأطراف جميعها. وهذا يعود بشكل أساسي الى التبعية السياسية للأجهزة الأمنية، التي حّولتها، للأسف، الى ما يشبه أذرعة عسكرية وأمنية تعمل فقط لمصلحة الفريق الذي تتبعه في مواجهة الفريق الآخر.

ففرع المعلومات مثلا، المصنّف على انّه تابع لفريق 14 آذار، حتما لا يحوز أي مصداقية عند فريق 8 آذار، كما انّ مخابرات الجيش محسوبة هي الأخرى على فريق 8 آذار، ما يجعل إنجازاتها محلّ تشكيك عند الفريق الآخر. ويزداد منسوب التشكيك حتّى الوصول الى ما بات يعرف عند اللبنانيين بمصطلح ” الفبركات”، عندما يكون لهذا الإنجاز قابلية الاستخدام السياسي عبر تقوية فريق على حساب الآخر.

هذا ما حدث بعد كشف المتورطين في تفجيرات مسجدي التقوى والسلام في طرابلس من قبل فرع المعلومات. إذ اعتبر حينها الفريق المتهم ان المقصود انما هو الفريق السياسي ومن خلفه حليفه النظام السوري. وهذا وحده كان كفيلا بإطلاق موجات من التشكيك والدعوة إلى عدم الخضوع المتهمين. فضاع بعد ذلك التحقيق وتبخّرت حقوق الضحايا والمتضررين واختفت الحقيقة.

هذا التشكيك عينه تلمسناه أيضا عبر صفحات الفيسبوك بعد اعتقال مخابرات الجيش المدعو نعيم عباس، وما نشر عن السيارات المفخخة المزعومة. على اعتبار أنّ الاكتشاف، وما رافقه من أخبار عاجلة كانت تطلعنا على سيل الاعترافات السريعة جدا، تولّت نشرها وسائل إعلام فريق سياسي معين ومن رجل قُدّم على انّه من أخطر الإرهابيين واعتبر “صيدا سمينا”. ما سمح للفربق الآخر أيضا باعتبار أنّ الهمروجة الإعلامية هذه تصبّ في خدمة ما يحضّر لمنطقة عرسال. بما تشكّله حاليا من امتداد جغرافي لمعركة تدور رحاها على حدودها الشرقية في يبرود. وكمبرّر يحتاجه حزب الله في هذه المرحلة لاقناع جمهوره بالحاجة الى مزيد من تورطه في تلك المعارك بحجة “الحدّ من مخاطر تدفّق الانتحاريين من تلك المنطقة”.

كلّ ما تقدم عن التبعية السياسية للأجهزة يشرح الدور الكبير الذي تلعبه في اضمحلال عامل الثقة عند احد الفريقين وما يتضمنه هذا الشعور من إقرار بأنّ الأجهزة الأمنية لا تعمل وفق القوانين المرعية الاجراء، التي من الواجب أن تكون هي وحدها الحاكمة على تصرّفاتها. وهذا يخلق عند المواطن العادي إحساسا عميقا بعدم الاستقرار أولا، وتضعيف فكرة المواطنة لديه ثانيا.

ما يزيد الطين بلّة هو ما تختزنه الذاكرة اللبنانية، إلى الساعة، عن مرحلة الوصاية السورية التي عملت على تحويل المؤسسات الأمنية والقضائية اللبنانية الى مجرّد أدوات تحرّكها أجهزة الاستخبارات السورية حينها، عندما أدخلت اليها فنّ تركيب الملفات واختراع التهم غب الطلب.

هذه الذاكرة من تلك المرحلة السوداء من أداء المؤسسات نراها حاضرة بقوّة عبر صفحات الفايسبوك، من خلال طرح عشرات التساؤلات والاستفسارات بعد كل حدث! إلا أنّه، وبكلّ أسف، في المحصلة النهائية يكون التصديق او التكذيب غير مستند، بالضرورة، الى صلابة الأدلّة أو قوّة المعطيات. بل يكون الفاعل الأكبر ما تلعبه المسبوقات السياسية عند الافراد. التي وفقها فقط يميل المواطن إلى احد الاحتمالين.

بكلّ أسف سنبقى نتخبّط، عند كلّ خبر من هذا النوع، بين التصديق أو اعتباره مجرّد فبركات استخباراتية، ليبقى الثابت الأكيد أنّ هذا ربما يكون أهمّ إنجازات نظامنا السياسي العفن .

السابق
حزب الله وليد الثورة.. يواجه مصير الثورة
التالي
أبادي: التعاون بين السعودية وإيران يفيد لبنان والمنطقة بأسرها