عن إدانة المؤنّث وتبرئة المذكّر: لماذا حور العين؟

أن نركّز على المرأة - المكافأة والرجل - المجرم هو أيضاً نوع من تصويب الإدانة نحو المؤنّث. هذا التصويب يحتاج إلى الاستدراك، ليس دفاعاً عن النساء، بل لأنّ الأمور في الواقع أعمق ممّا تبدو وتحتاج إلى نبش الأسباب والخلفيات بحثاً عن حلول.

هل يقتل الانتحاري نفسه حقّاً فقط من أجل أن يذهب إلى حور العين؟ هل النساء هنّ المحفّز الوحيد للموت؟ من هو هذا الانتحاري أصلاً؟ هل فتّشنا عن البيئة الاجتماعية الّتي يأتي منها؟ عن تلقّنه للتعالم الدينية؟ عن وضعه العائلي؟ وضعه النفسي؟

هل نعرف ما الذي يدفع شبابنا في مقتبل العمر أن يقتلوا أنفسهم وغيرهم معهم؟ هل نعرف عن البطالة المتفشية في مجتمعاتنا وعن المتاجرة بالدين كمادّة أساسية لغسل عقول الشباب؟ لسنا هنا في معرض التبرير للانتحاري ولكن لطرح سؤال عن التركيز على حور العين كدافع للموت؟ لماذا لا تكون هناك دراسات حقيقية عن البيئة التي يأتي منها هؤلاء من دون أن نلصق التهمة بالرغبة فحسب؟

تنتشر دائماً عبر وسائل التواصل الاجتماعي التعليقات عن حور العين كالمحفّز الأساسي للانتحاري ولكن ألا يمكن أن يكون الدافع الجنسي وحده غير كافٍ؟ لو كان الانتحاري يبحث عن النساء فقط، لذهب ربّما إلى مكان على الأرض فيه نساء ونساء يمتهنّ المتعة. هناك رادع ديني طبعاً يضع حاجزاً بينه وبين شهوته ولكن حتّى هذا الرادع ليس كافياً لتبرير موته الطوعي بالرغبة بحور العين فحسب.

فكرة حور العين أساساً هي فكرة تساهم في تكوين صورة الرجل – البطل الّذي ستتحلّق حوله النساء ويضعن أنفسهن في خدمته. هذه الفكرة المغرية تحمل بين طيّاتها رغبة الانتحاري في أن يحصد الاهتمام والبطولة وليس فقط الشهوة. وبالتالي ليس الدافع الحقيقي هذه الحوريات فحسب بل ربما التمنّي بحياة أفضل والطمع بالراحة التي يفتقرها في حياته الطبيعية.

عودةً إلى السؤال الأساسي: لماذا هذا التركيز على حور العين وغض النظر عن أمور أخرى قد تكون من العوامل المشجعة للانتحاري؟ لماذا لا يتحدّث أحد عن شبكات الانترنت والدعاوي للجهاد وتحريض بعض رجال الدين؟

تساهم صورة حور العين في تصوير المرأة كـ”أصل البلاء”، وهذا أمر موجود في اللّاوعي وفي ذاكرتنا الجماعية. تساهم في أن تجعل المرأة تبدو كهذا المسبّب للموت وهذا ما يجب أن ندركه.

هذه الصورة للمرأة الغواية تتحكّم برؤيتنا للأمور وإن كنّا غير مدركين لها، وبالتالي فيها عقوبة تخفيفية عن الانتحاري وهروب من الأسباب الواقعية التي يمكن أن تدفع به إلى الموت. أن نركّز على المرأة – المكافأة والرجل – المجرم هو أيضاً نوع من تصويب الإدانة نحو المؤنّث. هذا التصويب يحتاج إلى الاستدراك، ليس دفاعاً عن النساء، بل لأنّ الأمور في الواقع أعمق ممّا تبدو وتحتاج إلى نبش الأسباب والخلفيات بحثاً عن حلول.

السابق
صباحية الإعلام اللبناني: دردشة في الفراغ
التالي
الجيش يفكك سيارة مفخخة في البقاع