جوزف حرب صانع أسوارة العروس يعود إلى تراب الجنوب

"أسوارة العروس مشغولة بالذهبْ / وإنتْ مشغول بقلوب يا ترابْ الجنوب". هي جملة خالدة. يكفي جوزف حرب فخرا أنّه كتبها. هو الذي عرف منى أن يكون جنوبيا عامليا ولبنانيا في الوقت نفسه، مسيحيا وقوميا عربيا في آن واحد. رحل عن 70 عاما، لكنّه ترك أشعاره التي غنّتها فيروز وغنّاها مرسيل خليفة، كي نتذكّره دائما بأنّع صانع أسوارة العروس. لم يرحل، بل نعس ونام في تراب الجنوب.

هوى أحد أعمدة شعرنا المعاصر. هَوَى جوزف حرب. متعجّلاً دَوَّى صدى صوت النعيّ، على تطويحات ارتجافة الشّعر. “خطر” له أن يرحل – منذ زمن – عن هذه الحياة الدّنيا، و”وثَّق” معطيات هذا الخاطر في قصائد شعرية كتبها بالمحكيّة اللبنانية، ضمَّنها كتابه الذي حمل عنواناً إخباريّاً وعلى نحو مباشر: “طالِعْ عَ بالي فلْ”. خطر له هذا الخاطر، ربّما لأنه كان مطمئناً – تماماً – أنه، وفي أيّ وقت يودّع فيه الحياة، فإن بصماته الإبداعية المشعّة ستعمل على تخليد ذكراه الشعريّة المتألّقة.

خطر له أن يرحل “مِن تلقائه”، لكنَّ الزمن الذي لا يستطيع الاقتراب من قدريّته المطلقة، أيّ بشريّ على الإطلاق، شاء هو أن يحدّد رحيل جوزف حرب الذي توفي عن عمر ناهز الـ70 عاماً على أثر صراعٍ مع المرض. كان جوزف حرب عاملياً جنوبيّاً لبنانيّاً وطنيّاً، وجنوبيّاً قوميّاً عربيّاً، وتشهد له بهذا أشعاره التي هي وليدة حساسيّته الشعرية العالية، الحساسيّة التي أوحت له، لأن يرى تراب جنوبه المتألم على الدوام ولكن بفخْر لا يُضاهى، بأنه ترابٌ نسجته قلوب أبناء الجنوب، وهذا ما سطّره في واحدة من أجمل قصائده الوطنيّة/ المقاوِمة. تلك التي صدحتْ بها الحنجرة الذهبيّة للسيّدة فيروز: “أسوارة العروس مشغولة بالذهبْ / وإنتْ مشغول بقلوب يا ترابْ الجنوب”.

رحل جوزف حرب، وسيظلّ يتردّد بهاء صوت فيروز في كيّانيَّة محبّي وعارفي جوزف حرب، ومحبّي شعره خصوصاً، الذين سيُكثرون حتماً، ولا يملّون من ترداد: حبَّيتكْ تا نسيت النوم/ يا خوفي تنساني/ حابسْني برّاتْ النّوم/ وتاركني سهرانهْ/ أنا حبَّيتك/ حبَّيتك./ بشتقلكْ لا بقدر شوفكْ/ ولا بقدر إحكيك/ بندهلكْ خلف الطرقاتْ/ وخلف الشبابيك/ بجرّب إنّي إنْسَى/ بسرقْ النسيان…”.

فَلَّ (ذهب) جوزف حرب لكنَّه “الفُلَّ” الذي زرعه بعناية فائقة في شعره الخالد، سيبقى يانعاً إلى الأبد. وهذا أكبر عزاءٍ لهدهدة أحزان الشِّعر حيث رحل في ليل 9 شباط 2014.

 جوزف حرب في سطور

ولد جوزف حرب في بلدة المعمرية قضاء الزهراني عام 1944، توزعت طفولته وفتوته بين مسقط رأسه والبترون وجبيل، وبيروت.

أنجز دراسته في مدرسة راهبات القلبين الأقدسين في جبيل أولاً، وفي المعهد الانطوني لاحقاً. اتخذ التعليم مهنة بدأ بممارستها في العشرين من عمره في مدرسة الراهبات الأنطونيات في الدكوانة. في الوقت عينه أكمل تخصصه الجامعي في كليتي الحقوق والآداب.

مارس حرب المحاماة وافتتح مكتبه الخاص. ومنذ الستينيات وهو يغني المكتبة اللبنانية بمؤلفاته وأعماله النثرية والفكرية والشعرية. وفي عام 1960 أصدر كتابه الأول «عذارى الهياكل».

وفي عام 1966 بدأ تجربته في الإذاعة اللبنانية، مقدّمًا بصوته برنامج «مع الغروب»، ومعدًا برنامج «مع الصباح»، حيث ألقت ناهدة فضل الدجاني قصائده بصوتها.

كتب للتلفزيون العديد من البرامج الدرامية منها: «أواخر الأيام»، «باعوا نفساً»، «قالت العرب»، «قريش»، «أوراق الزمن المر»، و«رماد وملح».

غنت له فيروز العديد من القصائد منها: «لبيروت»، «حبيتك تنسيت النوم»، «لما عالباب»، «ورقو الأصفر»، «أسامينا»، «زعلي طول»، «خليك بالبيت»، وغيرها.

لحَّن وغنَّى له مارسيل خليفة: «غني قليلاً يا عصافير» و«انهض وناضل».

نال العديد من الجوائز التكريمية، منها: جائزة الإبداع الأدبي من مؤسسة الفكر العربي، والجائزة الأولى للأدب اللبناني من «مجلس العمل اللبناني» في دولة الإمارات العربية.

 وكان حرب الذي ترك دواوين شعريّة عدّة، قد لون أغنيات السيدة فيروز بالعديد من قصائده من بينها “لبيروت،” “حبيتك تنسيت النوم،” “لما عالباب،” “ورقو الأصفر،” “أسامينا،” “اسوارة العروس،” “زعلي طول،” “بليل وشتي،” “خليك بالبيت،” “رح نبقى سوا،” “فيكن تنسو،” “البواب،” “يا قونة شعبية”.

كذلك، لحَّن وغنَّى له مارسيل خليفة: “غني قليلاً يا عصافير” و”انهض وناضل”. ولحَّن له رياض السنباطي “بيني وبينك” و”أصابعي.”

وتميزت أشعاره بالكلمات المؤثرة والرومانسية. كلمات يملؤها والحزن والعاطفة والشعور بالوحدة والوحشة.

يذكر أن حرب هو من بلدة المعمرية قضاء الزهراني، تعلم في المدرسة الأنطونية، درس الأدب العربي والحقوق في الجامعة اللبنانية، مارس التعليم، وعمل في الإذاعة اللبنانية حيث كتب وقدَّم برنامج “مع الغروب.” وكتب برنامج “مع الصباح.” وكتب للتلفزيون العديد من البرامج الدرامية من بينها “أواخر الأيام”، “باعوا نفساً”، “قالت العرب”، “قريش”، “أوراق الزمن المر”، و”رماد وملح”. وتولى رئاسة “اتحاد الكتاب اللبنانيين” بين العامين 1998 و 2002.

وصفه بعض الشعراء بأنه انفجار شعري، على غرار أي انفجار كوني، فيما اعتبر آخرون أن الموسيقى لا تفارق شعره ولا تجافيه.

السابق
من شنَقَ الطفل بالكوفية
التالي
قاعة للرسم في مركز عيتا الشعب