الكوتا النسائية وسيلة لا غاية

النساء في البرلمان
"الكوتا" هي نظام يفرض حصصًا نسبية معينة للمرأة، عبر تخصيص مقاعد لوجود النساء في المجالس التشريعية والتنفيذية والتنظيمية كافة. وهناك ثلاثة أنواع أساسية من الكوتا الانتخابية: المقاعد المحجوزة للنساء بموجب نصّ دستوري أو قانوني، الكوتا على لوائح الترشيح التي تعتمدها الأحزاب السياسية، وكوتا على لوائح الترشيح بموجب نصّ دستوري أو قانوني. الهدف من الكوتا ليس مجرد ايصال المرأة الى البرلمان، بقدر ما هو مناقشة قضايا وهموم المرأة وإشراكها في عملية التنمية.

يشهد العالم تصاعدًا في تأييده نظام “الكوتا النسائية”، كمدخل لتذليل العقبات أمام التمثيل النيابي للمرأة ولو لفترة زمنية محدودة، حتى يصبح وجود المرأة في البرلمان أمرًا واقعًا يتقبله المجتمع.

   تختلف أنظمة الكوتا من بلد لآخر، وهناك أربعة أنظمة رئيسة للكوتا وهي الحصة الدستورية وهي نظام تخصَّص فيه مقاعد للمرأة في البرلمان بنص في الدستور، والحصة القانونية للبرلمان وهي نظام تخصص فيه مقاعد للمرأة في البرلمان بنص في قانون الانتخابات، والحصة القانونية للمجالس المحلية والحصة الحزبية. ويأخذ العديد من الدول بأكثر من نظام في الوقت نفسه.

   وتُعتبَر الكوتا إحدى الوسائل الكفيلة بتأمين وصول المرأة للبرلمان، وهي تمييز إيجابي لصالح المرأة كما نصّت عليه المادة «4» من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ومن منطلق مبدأ التمييز الإيجابي أصبح من الواضح أنه دون مشاركة عادلة للمرأة في مواقع صنع القرار، لن تتمكن النساء من إدماج رأيها في رسم السياسات وتعديل المفاهيم والقيم، ولقد بَيّنَت تجارب المشاركة السياسية للنساء، في الدول المختلفة النامية والمتقدمة، أنّ المرأة لم تتمكن من زيادة نسبة مشاركتها، إلا من خلال وضع نص في الدستور لحفظ حصة النساء في المواقع القيادية المختلفة.

   هناك أشكال عدة مطبقة من نظام الكوتا منها: الكوتا المغلقة، وهي التي لا يَحقّ للنساء الترشيح خارجها، أما الكوتا المفتوحة فيمكن للمرشحات الاختيار ما بين نظام الكوتا المخصصة للنساء أو خارجها، كما يوجد كوتا الحد الأدنى وهي التي يمكن أن يزيد عدد النساء الفائزات في الانتخابات عن الحد المقرر، أما كوتا الحد الأعلى فهي تعني فوز العدد المحدد للكوتا من صاحبات أعلى الأصوات بين المرشحات، وبالتالي تبقى الحصة ثابتة. وعلى ضوء التجارب النسائية في العديد من الدول يكون أفضل تطبيق لنظام الكوتا، هو كوتا الحد الأدنى المفتوح والتي يمكن أن تتراوح النسبة ما بين «10% ـ 30%» تبعًا لظروف كل دولة.

   إنّ الدراسات المقارنة أثبتت أنّ أيّ نسبة مشاركة نسائية دون 30%، لن تشكّل الكتلة الحاسمة والمؤثّرة في صنع القرار، وأنّ هناك ضرورة للتعويض عن الإقصاء الذي طالما عانت منه المرأة، والذي أدّى إلى استثناء نصف المجتمع من حقّه في المشاركة في تقرير مصيره.

   وتُمثِّل المشاركة السياسية للمرأة، أحد متغيّرات مفهوم التمكين الجنساني الذي يعتمده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والذي يقيس انعدام المساواة بين الجنسين، من حيث الفرص المتاحة، وليس القدرات. وقد برز هذا المفهوم في مقررات مؤتمر بكين 1995، والذي أكّد على ضرورة تعزيز تمثيل المرأة في برلماناتها الوطنية بنسبة 30% وأكثر، وهذا ما يُتيح لها مشاركة فعالة في التشريع وسن القوانين، وقد التزمت الحكومة اللبنانية بتوصيات مؤتمر بكّين، ولكن يتبيَّن من ممارستها أن المصادقة على الاتفاقيات الدولية، وملاءمة القوانين الوطنية لنصوصها، يبقى من باب المجاملة الدبلوماسية.

رغم أنّ الإطار التشريعي والقانوني في لبنان من العوامل المشجعة لمشاركة المرأة في السياسة، إذْ إنّه لا شيء في الدستور اللبناني الذي أقر عام 1926، يمنع وصول المرأة إلى أيٍّ من المسؤوليات التمثيلية في العملية الديمقراطية. ورغم أنّ المرأة اللبنانية أُعطِيت حق الترشح والانتخاب منذ العام 1953 من خلال مرسوم اشتراعي، وذلك بعد نضالات ومطالبات متعددة من قبل ناشطات في حقوق المرأة، إلاّ أنّ هذا لم يُحدِثْ أيَّ تغيير في الأرقام لجهة خوضها المعترك السياسي حينها. هذا ولم يشهد البرلمان اللبناني بشكل عام وجوداً للمرأة وفق قانون انتخابيّ، باستثناء السيدات اللواتي وَصَلْنَ كونَهُنّ وريثات أو مُوَرِّثات في مرحلة لاحقة، اللواتي شكّلن 3.13 % فقط في آخر انتخابات برلمانية لبنانية عام 2009. وهذا ما يتطلّب اعتماد نسبة الكوتا المتعارف عليها حتى اليوم في أربع وثَمانين دولة في كل من أفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا وآسيا.

   هذا التهميش لدور المرأة في مجتمعنا مردُّه الى عدة عوامل، منها الموروث الثقافي، القوانين المجحفة، انعدام الحياة الحزبية، ضعف ثقة المرأة بنفسها وقدراتها، تنميط صورة المرأة، كلفة الحملات الانتخابية، ولعلّ أهمها أنّ اللعبة السياسية والانتخابية في لبنان كانت وما تزال ذكورية في تقاليدها وقوانينها ومصادرها وآلياتها، ما يَحدُّ من قدرة المرأة على دخول اللعبة والمنافسة ضمن الآليات والقواعد الذكورية التي تحكمها.

   ومِنَ المعروف أنّ هناك العديد من الجهات الداعمة للنهوض بأوضاع المرأة في لبنان، وإنْ بدرجات متفاوتة، وفي لبنان حاليًّا ما يقارب ثلاثمائة جمعية تعمل وتُعنى مباشرة بشؤون المرأة. ولكنّ مَكمنَ الخلل الأساسي هو غياب الدولة الحاضنة والضامنة والتي هي الإطار الأول والسليم لتحديث القوانين والعمل على تطور المجتمع.

   وقد أشار منهاج عمل بكّين المنبثق عن المؤتمر الدولي الرابع للمرأة، إلى أنه لا يمكن تحقيق المساواة والتنمية والسلام دون مشاركة فعلية وإدماج حقيقي للنساء في جميع مواقع صنع القرار. من هنا إنّ زيادة مشاركة المرأة في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، هو أحد العناصر الرئيسة اللازمة للتقدم والنهضة، وتَدنّي مستوى التمثيل البرلماني للمرأة هو إفراز لواقع اجتماعي وسياسي ينبغي مواجهته، وكشف آليات استمراره، والعمل على تغييره من خلال إرادة سياسية ومجتمعية تَضمّ كلّ مكونات المجتمع الرسمية والمدنية.

   ولتحقيق المشاركة السياسية للمرأة لا بدّ لها من خوض غمار السياسة من خلال الانخراط في الأحزاب والجمعيات، والعمل للوصول إلى المناصب القيادية، ومراكز المسؤولية، والترشح وخوض الحملات الانتخابية.

   إنّ عَدمَ تطبيق الكوتا هو سببٌ لتكريس دونيّة المرأة وإصرارًا على استبعادها من مواقع القرار. ويُلاحظ أنّ الدول التي حصل فيها تَقدُّم بارز لتمثيل المرأة، قد اعتمدت شكلًا ما من أشكال نظام الكوتا.

   وبرأينا، إنّ تطبيق الكوتا هو وسيلة كإجراء مؤقت وضروري في أيّ قانون انتخابي جديد، وذلك لرفع مستوى تمثيل المرأة وصولًا إلى الهدف الأساسي وهو المساواة بين الرجل والمرأة. خاصة مع استمرار المعوقات المجتمعية والسياسية والثقافية التي تحول دون وصولها. هذا في ظلّ نظام طائفي في لبنان يقوم على تطبيق الكوتا الطائفية والمذهبية والمناطقية والحزبية في توزيع المقاعد النيابية والوزارية وغيرها من مواقع القرار.

السابق
جريح جراء حادث صدم في الزهراني
التالي
Aleda Bss: نخلق هوية اقتصادية للضاحية