الثورة الإسلامية في إيران

إن الحادي عشر من شهر فبراير في كل عام يصادف اليوم الوطني للجمهورية الاسلامية الايرانية. قبل 35 عاماً أراد الشعب الإيراني الإطاحة بالنظام الملكي القائم و إقامة نظام جمهوري. الهدف الذي كان يصبو الى تحقيقه منذ أكثر من 100 عام وأوشك على الانتصار عدة مرات إلا أن المؤامرات و المحاولات الأجنبية حرمته من هدفه. إن جذور الثورة الاسلامية تكمن في تعامل الأجانب وابتعاد الحكومة عن الشعب والتصدي أمام مطالب المجتمع الإيراني وأمام مطالبة الشعب للتوصل الى التطور والتقدم و التوجه نحو إرساء مجتمع حر وبلد عامر وتوجه ديني منسجم مع مظاهر التقدم والقيادة الفذة. الشعب الايراني كان ينوي تحقيق الحرية وتقرير مصيره بنفسه والوقوف ضد الاستبداد الخانق بغية نيل الاستقلال من الأجانب والحد من تدخلاتهم وتحقيق التقدم ضد التخلف المتجذر في البلد. الشعب كان يريد العدالة والتمتع بالحقوق المادية والمعنوية ضد مظاهر الاختناق والتمييز.

 

لقد عاشت منطقة الشرق الأوسط تجربة الثورات المتصدية للاستبداد قبل حدوث الثورة الاسلامية. لكن الميزة التي تتصف بها هذه الثورة هي أنها كانت فريدة في نوعها لتبنيها الفكر الديني. بعبارة أخرى تجسدت في هذه التجربة المطالب التاريخية للشعب الايراني التي أصبحت تنسجم مع الهوية التاريخية والدينية، حيث طرح الدين والمبادئ الدينية بشكل يضمن الحريات والاستقلال والتطور والعدالة التي انبثـقت عن الثورة. لا شك أن السياسات والمخططات المعارضة للدين والأخلاق والقيم الوطنية للنظام البائد كانت من الحوافز التي تحض على النهوض والثورة لكن الثورة الإسلامية كانت تحمل في طياتها ضماناً للحفاظ على الحريات وسيادة الشعب وتقرير مصيره بنفسه من جهة و سيادة المعايير والقيم الإسلامية التي ترفض الاستبداد والاستعمار والظلم والتخلف من جهة أخری.

إن الكلمات والبيانات الصادرة عن الإمام الراحل الخميني الكبير كانت من أهم العوامل التي تحفز الشعب الثائر و تقوده، حيث كان يؤكد دوماً على المفاهيم الدينية والأحكام الإلهية والأخلاق الإسلامية مستهدفاً الحكومة المستبدة الفاسدة لنهب الثروة الوطنية وذلك لمنع الأجانب من التدخل في تقرير المصير ونفي القمع والسجن والتعذيب و الاستهانة بالشعب. کما وانه کان ينادي الى ضرورة ممارسة إجراءات تؤدي الى التغيير في المجتمع.

وبهذه الصورة يمكن القول إن الثورة الإسلامية كانت ثورة ً دينية ً في الاساس و الهدف والقيادة وكانت تتقدم لتأمين المطالب الأساسية للشعب و هي الحرية و الديموقراطية والرفعة والعزة وتمتع الجميع بعيش كريم و تأمين الحقوق وتوفير حاجات شرائح الشعب بغض النظر عن توجهاته الدينية والسياسية. سارت الثورة على هذا النهج وانتصرت. لاشك أن أي منهج ومشرب لم يكن يولي اهتماماً بحقوق الناس ولم يحترم حرياتها ويقف موقف المتفرج أو يتصدى لتأمينها يتعارض مع منهج الثورة الإسلامية والإمام الخميني والشعب الايراني.

لا شك أن الصورة التي تقدم اليوم الى العالم باسم إحياء المفاهيم الدينية والمتمثلة في التطرف الديني هي صورة عنيفة وعديمة الرحمة من الإسلام ولا تتناسب مع ما قدمته الثورة الاسلامية والإمام الخميني. الثورة تؤمن بالشريعة ودورها في النظام الإسلامي بجانب الاجتهاد الفاعل والحي وسيادة الشعب وتقرير المصير والحريات الأساسية والديموقراطية باعتبارها جزءاً منها ومن أرکانها.

يمكن للدين والحرية أن يتعايشا معاً حيث الدين يجعل الحرية أمراً أخلاقياً كما أن الحرية بدورها تضمن حيوية الدين وتمنع المفاهيم الدينية التي تكون رصيداً وثروة لكافة المراحل وجميع الأجيال أن تنحصر في إطار التشدد والتزمت والأوهام.

إن الثورة في عقدها الرابع وشعبها وقيادتها تؤمن بأهداف لا تزال تتفاعل و تصر على نيل الاستقلال وحفظ السيادة الوطنية والإعمار والحرية وتقرير المصير والعزة والاستفادة من كافة الإمكانات الداخلية والخارجية وتوظيفها في تحقيق التنمية الشاملة وتوفير العدالة بكل أبعادها والصحوة والوقوف أمام القوى المسيطرة.

الثورة الإسلامية باعتبارها ثورة رفعت شعار الحرية و الحقوق وكرامة الإنسان أثبتت بأن حقوق الإنسان بما هي لن تتعارض مع الأحكام الالهية بل يمكن للإنسان الملتزم بالافكار الدينية والحكومة الدينية تحقيق التنمية والتقدم الشامل للفرد والمجتمع وذلك في ظل الحريات الأساسية والعدالة.

إن الإطاحة بالنظام الملكي وانتصار الثورة الإسلامية ليست النهاية في هذا الطريق بل تعتبر فاتحة وبداية لطريق بدأت في الحادي عشر من فبراير 1979 بجهود الشعب الإيراني لابراز الدين الاسلامي الحنيف دين الرحمة والسماحة ولا دين عنف وشقاوة وباعتباره ديناً يمکن له أن يبني دولة عامرة ومستقلة. وختاماً لابد أن تذکر رسالة الشعب الإيراني الذي يقول کلمته ويؤکد علی أنه سيبقی وفياً لثورته الإسلامية ويقدم مزيداً من التضحيات لأجلها.

 

السابق
عجيب القوميّون السوريّون أيضاً!
التالي
الصحافة الكويتية منزعجة من اليسا