مقاوم الامس وجندي اليوم (1): من ضحّى ومن كَسَبَ؟

تفتح "جنوبية" اليوم ملفّا يبحث الفوارق بين المقاومين، وبين الجنود المأجورين الذين يقاتلون من أجل مكاسب مذهبية أو مالية أو معنوية، وليس من أجل رفع الظلم. ونبدأ بهذا النصّ في الحلقة الأولى، وهي شهادة من المقاوم العتيق عماد قميحة، الذي كتب عن: الفارق بين مقاوم للاحتلال وبين مجرّد "جندي" في تنظيم يرفع لافتة "مقاومة".

بديهي ان للسابقين دائما الفضل الاكبر. وهذا ما اكدت عليه ليس فقط الثقافة الدينية “السابقون السابقون اؤلئك المقربون”، بل هذا ما جرت عليه التجارب الانسانية التي ما فتئت على طول الخط تكّرم الاوائل، من مقاتلين، وفلاسفة، وعلماء، ومكتشفين.. وهذه الافضلية هنا ليست بالاعتبارات الزمنية طبعا، لأنّ الزمن هو من الموضوعات التي لا قدرة لنما على التحكم بها، وبالتالي فمن غير المنطق امتداح امرء على امر ليس له يد في انتاجه. وتتجلّى اهمية وعظمة ميزة السابق، اكثر ما يكون، في الثورات والحركات التغييرية، خصوصا عند الحركات التحررية ايام الاحتلالات، وبالتحديد الايام الاولى لولادتها. لأنّ طبيعة التحديات حينئذ لا بد تكون اضعاف مضاعفة بما لا يقاس من المراحل المتقدمة.

فلاحقا يصير التراكم على الفعل الاول، ان من ناحية وضوح وتبلور الصورة وازدياد انقشاعها عند الملتحقين المتأخرين، او من ناحية حجم التضحيات في مقابل المكاسب التي عادة ما تكون في المراحل الاولى نسبتها لا تتعدى الصفر. لذا، وفي نظرة سريعة على ما تقدم، يتبيّن انّ من الاجحاف بمكان مقارنة المقاومين الاوائل بمقاومين اليوم.

لأنّ “المقاومين” (بين مزدوجين)، بعد مرحلة تحقق “نصر الله والفتح “، لا يقارنون بمرحلة التضحيات. فبعد النصر يلتحقون “افواجا”.. حتى بات الانتساب الى “للمقاومة” هذه الأيام يعتبر اقرب ما يكون الى الفوز بوظيفة ينال من خلالها المنتسب معظم التأمينات الحياتية (بيت، راتب شهري، سيارة، بدل مدارس، تسهيلات قروض، تجهيزات…) فضلا عن التأمين العائلي حال الموت.

ليس المقصود الجزم أنّ الملتحقين بركب “المقاومة” هم جميعا من الكسبة والمنتفعين واغفال عامل القناعة او الدوافع الاخرى، اعتقادية كانت أو غيرها. الا انه لا يمكن ازاحة عامل الرغبة في التكسّب. على الاقل بما يساهم من دور كبير في تبلور شخصية هذا الملتحق المتأخر. إذ تبدو واضحة الفوارق البنيوية عن شخصية المتقدّم. فالسابقون ليسوا كاللاحقين. والذين أقدموا على “المقاومة” مستعدّين لبذل كلّ شيء، حين لم يكن هناك مقابل، ليسوا مثل الذين يحظون برعاية أين منها رعايات الجيوش النظامية.

لهذا فإنّ الحرية الفردية التي تمتع بها المقاومون الاوائل اوسع بكثير. لأنّهم متحررون بالاصل من اي عوامل نفسية ساهمت في حسم خياراتهم. وكانت المراحل الاولى مطبوعة ببصمات فردية ومبادرات ذاتية، ان على مستوى القرار او على مستوى الاجراء. وكانت اكثر وضوحا واعظم اثرا حتى انها اختفت نهائيا في الفترات اللاحقة. وهنا يكمن الفارق الشاسع بين مقاوم للاحتلال وبين مجرّد “جندي” في تنظيم يرفع لافتة “مقاومة”. حتّى اختلطت الامور ببعضها كما امتزجت المفاهيم فصار هذا “الجندي” يقاتل في ادنى الارض تحت مسمى “المقاومة”. وبات يُطلق بسهولة عنوان “مقاوم” على “جندي” لم يطلق رصاصة واحدة في وجه المحتل!

ففي غمرة معمعة المفاهيم هذه نفتقد الى تلك النفوس العملاقة، التي فكّرت هي، وقررت هي، فقاومت بكل تواضع، لأنّ المقاومة الحقيقية ليست مجرد ختم تُصكّ به اعقاب البنادق فتوسم بالمقاومة.

ان هي قبل كل شيء الا تلك النفوس العملاقة، وفي مقدمة هؤلاء العظماء من قضى نحبه، امثال السيد عباس الموسوي  وسمير مطّوط واحمد علي شعيب وسناء محيدلي وبلال فحص ومن كتب لهم العمر، ويأتي في مقدمّهم فواز طرابلسي .

السابق
الخارجية السورية تؤكد مشاركتها بالجولة الثانية من مفاوضات جنيف
التالي
المقاومة والسلطة: البندقية محلّ العقل (3)