متى يُصبح «حزب الله» أو السُنَّة مع الفدرالية؟

في العراق، السُنَّة ميّالون إلى الفدرالية، والشيعة يرفضونها ويطمحون إلى “عراقٍ مركزي” ذي غالبية شيعية. وفي سوريا، فالعكس هو الصحيح: الفدرالية – أو حتى التقسيم – خيار إحتياطيّ للعلويين إذا خسر النظام، فيما السُنَّة يريدون “سوريا المركزية” ذات الغالبية السنّية. لكنّ القاسم المشترك في العراق وسوريا، هو أنّ الأكراد هم الفدراليون بامتياز.

أمّا لبنان فشبيه بالحالتين العراقية والسورية معاً: شيعتُه يرفضون الفدرالية، كما في العراق، ويرغبون في السلطة على “لبنانٍ مركزيّ” (وهذا حاصل نسبيّاً). والسُنَّة يرفضون الفدرالية، كما في سوريا، لأنّهم يطمحون بعد سقوط الرئيس بشّار الأسد إلى “لبنانٍ مركزيّ”. أمّا مسيحيّو لبنان، والدروز على الأرجح، فهم الفدراليّون بامتياز.

إذاً، ما مِن طرفٍ مذهبيّ أو إثْنيّ في الشرق الأوسط يحدِّد مفاهيمه للفكر السياسي، وتالياً نظرته إلى الفدرالية، إنطلاقاً من زاوية مجرّدة وثابتة. وعندما يقول الإسلام بـ”الأمّة الإسلامية” فهو يعني عامّة الناس المنتمين إلى هذا الدين، وليس “الأمّة” في المعنى الذي اكتسبته العبارة العربية لاحقاً، بتأثير من الأفكار الغربية، أي “الأمّة – القومية” (la nation).

ولذلك، لا يعارض السُنَّة والشيعة مبدأ الفدرالية “عقائديّاً”، وفي عبارة أكثر دقّة “فقهياً”. فالمسألة تتعلق بالمصالح لا العقائد. وكلّ من الطرفين يصبح من الدعاة إلى الفدرالية عندما تلتقي مع مصالحه.

وفي أيّ حال، الدستور العراقي يُقرُّ تحويل المحافظات مناطق حكم ذاتيّ، كما كردستان، إذا أرادت ذلك غالبية سكّانها. وفي لحظات معينة، كان الشيعة أقرب إلى هذا الخيار. وأمّا سوريا فغارقة في المخاض الذي مرّ به العراق، والذي سيفرز تغييرات في التركيبة السياسية والنظام.

في العراق، سقط الرئيس صدّام حسين لتقوم التركيبة الجديدة على أنقاض نظامه. وأمّا في سوريا فتسقط الدولة بكاملها وليس الرئيس بشّار الأسد، لتقوم التركيبة الجديدة ثمرة المعادلة الصراعية بين النظام ومعارضيه، وواقعيّاً بين السُنَّة والعلويّين.

ولذلك، يتركّز إهتمام الأسد حاليّاً على ربط مناطق غير علوية في دمشق وحمص وحماه وحلب وأريافها بالساحل ذي الغالبية العلوية. ويتردّد أنّه يخبّئ أسلحة استراتيجية في المناطق العلوية إحتياطاً، فيما باتت مناطق شاسعة من سوريا، محاذية للعراق وتركيا، في أيدي المعارضة والجماعات السنّية المتشدّدة.

حتى اليوم، يَغلُب على السُنَّة والشيعة اللبنانيين رفضُهم للفدرالية، وإهمالهم حتى اللامركزية الإدارية الموسّعة التي أقرَّها الطائف. فكلّ من الطرفين ينتظر حسم المعركة لمصلحة حلفائه في سوريا… ليحسمها أيضاً في “لبنان المركزي”.

وهكذا، سيكون لبنان مركزياً إذا انتهت الحرب السورية بحسم كامل للمعركة:

– سيكون مركزياً (مع إلحاح شيعيّ) إذا سحق الأسد المعارضة في كلّ سوريا. وهذا إحتمال ضعيف.

– سيكون مركزياً (مع إلحاح سُنّي) إذا سقط النظام واكتسحت المعارضة والتنظيمات المتشدّدة كامل سوريا. وهذا إحتمال معدوم.
ولكن، في الحالين، سيكون الطرف المذهبي اللبناني “المهزوم” رافضاً للإمّحاء، وقد يطالب باللامركزية السياسية، فيلتقي مع المسيحيّين.

وأمّا إذا ذهبت سوريا إلى الفرز، الكانتونات أو التفتيت أو التقسيم، كما هو محتمل، فسينعكس ذلك على لبنان. وسيكون الطرف الشيعي، و”حزب الله” تحديداً، صاحب الكلمة الأساس في المبادرة إلى تقرير مستقبل لبنان.

فمنطقة النفوذ العلوية ستكون محاذيةً تماماً لمنطقة نفوذه في البقاع، المرتبط ربّما بالجنوب. وعندئذٍ سيجد “الحزب” أنّ مصلحته تقضي بتكريس الأمر الواقع في إدارةٍ ذاتية للأمن وشؤون أخرى في مناطقه… وتكرُّ السبحة لدى الآخرين.

فهل وثيقة بكركي هي الإنذار الأخير، من جانب المكوِّن المسيحي، على تنوُّع الفسيفساء السياسية المسيحية، لإقرار الحياد ونظامٍ صادقٍ للعيش المشترك كشرط لضمان بقاء لبنان موحَّداً؟ أم يلتحق مصير لبنان بمصائر الجوار… فيتدرَّج من الفتنة إلى التقسيم أو التفتيت؟

المسلمون السُنَّة والشيعة، لا المسيحيّون والدروز، تقع عليهم المسؤولية لاتّخاذ القرار: تأسيسُ لبنانٍ جديدٍ على أنقاض القديم الساقط، أم إبقاءُ الأرض مليئةً بالركام؟

السابق
هل يمهّد سلام للحريري؟
التالي
إطار لدولة أم لمعتقل فلسطيني كبير؟