الانتخابات الرئاسية اولاً

قدرنا أن ننتظر! وهذه المرة علينا أن ننتظر! أن ننتظر زيارة الرئيس الاميركي باراك اوباما الى السعودية الشهر المقبل. ليس ضرورياً وضع بند خاص حول مجموعة الازمات التي تكاد تخنق لبنان، لكن يكفي ان يكون احد اهم اهداف الزيارة إطلاع الرياض على المستجدات ما بين واشنطن وطهران والنظرة الاستراتيجية للادارة الاميركية الى منطقة الشرق الاوسط من خلال التطوّر الايراني الجديد واعادة تأكيد المصالح الاميركية في المنطقة والتي تمرّ بمصالح “اصدقاء” واشنطن. وكلّ ذلك يعني تعبيد الطريق امام اعادة التواصل السعودي ـ الايراني الذي اصبح ناضجاً في الكواليس الديبلوماسية.

اما لماذا على لبنان الانتظار؟ فلأنّ التواصل السعودي ـ الايراني هو وحده الكفيل بالمساهمة في تفكيك كثير من ازمات الساحة اللبنانية وفي طليعتها استحقاق الانتخابات الرئاسية.

وجاءت تجربة تراجع كل من تيار “المستقبل” و”حزب الله” للقبول بحكومة سياسية جامعة، غنية بمدلولاتها لناحية استعداد الاطراف الداخلية لتنفيذ استدارتها انسجاماً مع الموقف الاقليمي، اضافة الى انها قدمت برهاناً ملموساً للمناخ الايجابي الموجود خلف الكواليس. لذلك قد تشكل زيارة اوباما للرياض ايذاناً ببدء تقارب سعودي – ايراني انطلاقاً من الساحة اللبنانية.

لكن قبل ذلك، فإنّ الازمات السياسية ستستمرّ ودماءٌ كثيرة ستسيل. فولادة حكومة جديدة مسألة دخلت في تعقيدات جديدة وكثيرة، ونجح النائب ميشال عون معها في فرض نفسه مرة جديدة لاعباً اساسياً لا يمكن تجاوزه.

ووفق ذلك بدت خيارات رئيس الجمهورية ومعه الرئيس المكلف محدودة، حتى لا نقول معدومة. فتأليف حكومة سياسية بمن حضر، او كما يسميها البعض حكومة “أمر واقع” سياسية لم تعد صالحة أو ممكنة بلا معالجة معارضة عون، وهو ما سيشكل هزيمة سياسية كبيرة لسليمان وسلام وتيار “المستقبل” إذا حصل.

ذلك انّ فرض الحكومة السياسية سيُدخل البلد في نزاع كبير وتعقيدات خطيرة لا تتلاءم والهدف المنشود ألا وهو إيجاد حكومة تواكب الفراغ في حال حصوله أو التمديد لسليمان حسب ما يظنّ البعض ويخطط.

واما التلويح بحكومة “امر واقع” غير سياسية فلم يعد مسألة واقعية في ظلّ التقارب السعودي – الايراني والدخول في افق جديد.
“وربّ ضارة نافعة”، فقد تكون الازمة الحكومية عاملاً ضاغطاً اضافياً لانجاز الاستحقاق الرئاسي في ظل الواقع الاقليمي المتوقع. لكنّ المشكلة تبقى في الواقع الميداني الضاغط في سوريا والذي ينعكس سلباً على لبنان.

فمعركة يبرود التي بدأت بهدوء بلا أيّ مواكبة اعلامية يُتوقع لها ان تنتهي سريعاً، ولكن بالترافق مع انتقال مزيد من المسلّحين الى لبنان عبر جرود عرسال. وتتناقل الاوساط الدولية المتابعة معلوماتٍ عن تحضيرات كاملة يقوم بها “حزب الله” لمعالجة نتائج هذه المعركة.

في الاساس تروي هذه الاوساط انّ كادرات مهمة في الحزب تسلمت مهمات ميدانية “فوق العادة” في سوريا، وفي لبنان يُحضَّر البقاع الشمالي ليكون في منأى عن ايّ صدام مذهبي لسببين:

الاول هو أنّ هذا الصدام سيشكل هدفاً حيوياً للمجموعات المتطرفة ما يمنحها “شرعية” شعبية وبيئة حاضنة، وسيشوّش على القيادات السياسية السنّية اللبنانية ويحشرها.

والثاني، تجنّب الدخول في “دهليز” يعاكس المناخ الاقليمي الذاهب في اتجاه فتح ابواب التواصل السعودي – الايراني وهو ما جعل الحزب في حال الترقب، لا بل الدفاع، سياسياً خلال الاسابيع الماضية.

لكن هذا لا يكفي للحدّ من التداعيات السلبية لسقوط القلمون. وتروي هذه الاوساط المطلعة أنّ العواصم الغربية نصحت الجيش اللبناني إقامة استحكاماته للفصل بين ايّ احتكاك قابل للحصول طابعه مذهبي ولحماية القرى والبلدات المسيحية من أيّ إعتداءات قد تحصل لأنّ الجيش اللبناني سيتعرض لامتحانٍ قاسٍ في عرسال في ظلّ الانقسام السياسي المستمر في لبنان.

لكنّ هذه الاوساط تتحدّث عن سيناريو يقوم على اساس استمرار القصف السوري للمراكز الموجودة في جرود عرسال من خلال المروحيّات، وعند احتدام الوضع يستطيع الجيش اللبناني الدخول على الخط من خلال تسوية سياسية يضمن هو حصولها وتقضي في بندها الاول بإخضاع المنطقة لسلطته المطلقة. والواضح انّ الخلايا المتطرفة تحاول استباق هذا السيناريو برفع منسوب عملياتها الانتحارية والتي تدلّ على تغلغلها الواسع والمريح في النسيج اللبناني.

ما يعني أنّ المرحلة الفاصلة عن عودة التواصل السعودي – الايراني محفوفة بالمخاطر ما جعل النائب وليد جنبلاط مثلاً شديد القلق، وهو ما عكسه امام احد السفراء الغربيين خلال زيارته له حيث بدا شديد التوجس من الاوضاع الخطيرة التي تواجه الاقليات في الشرق متمتماً: “لقد اخطأتُ في قراءتي السياسية للتطورات في المنطقة”.

وهذا بالضبط ما يثير حفيظة بكركي التي رفعت الصوت بقوة امس محدّداً الهدف: “انجاز الاستحقاق الرئاسي ايّاً يكن الثمن”. ذلك انّ الذين زاروا الفاتيكان أخيراً سمعوا في وضوح انّ المأساة التي لحقت بمسيحيّي سوريا هي اكبر بكثير ممّا ظهر في الاعلام، وهال الفاتيكان الاخبار عن سرقة معظم الآثار الدينية لمعلولا وبيعها في لبنان.

والاخبار المقطوعة عن المطرانَين، والشروط الموضوعة لاطلاق الراهبات ومنها اطلاق سجناء اسلاميين، والهجرة الكثيفة لمسيحيّي سوريا الى الخارج بعد سقوط اكثر من عشرة آلاف قتيل منهم منذ انطلاق ما سُمي “الربيع العربي”.

وقيل إنّ أحد الوفود الاجنبية سمع لدى زيارته بكركي كلاماً واضحاً وهو: “لا نطلب حماية احد ولا نريد شيئاً منكم. جلّ ما نطلبه أن تُبعدوا تدخلاتكم عنا، وأن لا تقحموا لبنان بمشاريع المنطقة ومشاكلها، ونحن وحدنا قادرون على حماية انفسنا والتفاعل مع شركائنا في الوطن”.

وسمع الوفد تذكيراً بما قاله البطريرك مار بشارة بطرس الراعي امام الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي حول “الربيع العربي” وردّة الفعل الفرنسية عليه.

السابق
مذكرة بكركي الوطنية: إيش بِدّا تعمل؟
التالي
غرس أشجار في حارة حريك تخليداً للشهداء الذين سقطوا في التفجيرين