كاميرا ‘العودة إلى حمص’ تنقل مآسي الحصار والقبور والأنفاق… إلى العالم

فيلم العودة الى حمص

صاعق، حجم الدمار في شارع القاهرة وحي الخالدية والطريق المؤدي إلى مسجد خالد بن الوليد في حمص وسط سورية. فـ «حمص العدية» التي تعتبر نبض الثورة السلمية حين بدأت الاحتجاجات في سورية في ٢٠١١، باتت رهينة لحصار قوات الرئيس بشار الأسد والميلشيات، لم ينجح ممثلو أربعين دولة في «جنيف2» في تخفيف خناقه.
ينقل «العودة إلى حمص»، الذي فاز أخيراً بجائزة «أفضل وثائقي» في «مهرجان صان دانس العالمي»، رحلة المدينة الطويلة والمضنية بتفاصيل تكشف حجم الجرح وعمق الرصاصة.
بطلا الفيلم عبد الباسط ساروت وأسامة، يختصران بسيرتهما جانباً أليماً من واقع سورية. الأول كان حارس مرمى نادي «الكرامة»، رمى بعيداً قفازاته للانضمام إلى التظاهرات في بداية الثورة، وتحول بحنجرته وعناده إلى واحد من أبرز وجوهها، قبل أن ينتقل إلى العمل المسلح في ٢٠١٢ ويقود عدداً من «شباب الحي» إلى «معركة تحرير» لا يعرف هو نفسه أين بدأت إنما يقول إنه يدرك تماماً أنها ستنتهي. أما أسامة، رفيق الطفولة لعبد الباسط، هو نقيضه في شخصيته وسلوكه. هادئ الطبع، رقيق وملتزم بالمبادئ السلمية التي أطلقت الثورة، يحمل حقيبته وكاميرا صغيرة ويمضي وحيداً بين الأحياء المدمرة والبيوت المهجرة ليصور وينقل للفضاء الإلكتروني رائحة الحرب وصورة الردم في حمص.
يمكن القول إن المخرج طلال الدركي والمنتج عروة النيربية والمصور قحطان حسون تحدوا الموت في تصوير الفيلم طول ثلاث سنوات، تم خلالها اعتقال النيربية من قبل سلطات النظام السوري. إذ يخترق «العودة إلى حمص» جدران المعارك ويضع المشاهد على مسمع من أصوات الرصاص اليومي، والتفجيرات وصرخات الألم لآباء فوق أطفالهم ومقاتلين ينتشلون جثثاً مرمية على أرصفة الشوارع، على مرأى من رصاص قناصين.
يصل الفيلم إلى حيث لم تصل كاميرات الإعلام أو الناشطين، ويرافق عبد الباسط ساروت في ثكناته المتنقلة بعضها غرف نوم سابقة وبنايات متهاوية. كما تذهب معه الكاميرات إلى الأنفاق السرية والقبور المتسعة وهو يحفر في التراب ليودع «رفيقاً» لم يخذله في الجبهة ويكتب بين الحجار المتناثرة اسمه للذكرى.
مهما كان موقعك السياسي من الأزمة في سورية، لا يمكن تجاهل نقل الوثائقي معاناة الإنسان السوري أولاً ومن داخل حمص. هناك النازحون السنة والعلويون يهربون إلى الشمال، وهناك الكنائس والمساجد المدمرة. هناك أيضاً أسامة يفتش داخل حطام منزله عن كاميرا وفنجان كتب عليه «سورية». حتى عبد الباسط الملتزم دينياً، يحارب لـ «استعادة الكرامة والأرض». ويتوسل رفاقه وهو جريح في مستشفى منزلي «لا تضيعوا دم الشهداء».
عروة نيربية، قال خلال تسلمه جائزة «صان دانس» للفيلم الذي تم إنتاجه بمشاركة ألمانية، إن الفوز «يعطينا الأمل نحن ومن تحت الحصار في حمص أن التغيير ممكن، وأن ألمنا ليس غريباً على العالم ويمكن أن يفهمنا وأن الحصار قد ينتهي يوماً ما».
ولعل المفارقة الأكبر في الوثائقي هي في طريقة افتراق بطليه، عبد الباسط وأسامة. الأول، مكنته بندقيته وخططه العسكرية من العودة إلى داخل حمص، بينما أسامة بطل الحراك السلمي، جرى اعتقاله وهو عائد من المستشفى ومصيره غير معروف اليوم.
بعد الفوز في الجائزة العالمية، يعمل فريق الفيلم على ضمان توزيعه في أكثر من ٣٥ دولة في الأشهر الثلاثة المقبلة. أما عبد الباسط ساروت فما زال منهمكاً في المعارك اليومية، غير مكترث بعدم توافر الطعام والغذاء. يجلس في الأحياء المدمرة ويردد أناشيد الثوار وينتظر أسامة.

السابق
وزيرة الخارجية الايطالية في بيروت وتلتقي سليمان وبري وميقاتي ومنصور
التالي
روحاني وشركات النفط العالمية