المرأة في خطاب السلفيين: عورة وجنس

التاريخ يُظهر المرأة العربية في الحيّز العام ضعيفة، لأنّ الرجل يرى أنّ هذا الحيز خاص به وحده، حيث لم تشكّل المرأة سوى الجسد بالنسبة للخطاب الاسلامي، سيما بعد خروج السلفية الى العلن. فما هي مفردات السلفيين تجاه المرأة وكيف يفكرون بها؟

تاريخ النساء عربيا في الحيّز العام يُظهر المرأة على أنّها ضعيفة، لأنّ الرجل يرى أنّ المجال العام خاصّ به وحده، حيث لم تشكّل المرأة في التفكير الاسلامي سوى تفكير بالجسد الذي يتداخل فيه الفقهي بالتاريخي، والحلال بالحرام.

ففي بدايات القرن الماضي، أسسَ حسن البنّا حركة “الإخوان المسلمين” كأوّل حركة سياسية دينية في المنهج الاسلامي. ودفع انتصار الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة عام 1979 بتنظيمات الإسلام السياسي إلى الواجهة مقابل فشل التيارات القومية واليسارية، فأصبحت الفرصة سانحةً للقوى الدينيّة المتشدّدة لتظهر بقوّة، وبدعم دول النفط، مع ظهور إسلام جهادي عنيف، يتبنّى الدعوة إلى إقامة دولة إسلاميّة، رافعةً شعار: الإسلام هو الحلّ.

فالمسلم المتديّن يعتقد انّه وحده من يقبض على الحقيقة المطلقة، الأمر الذي يخلق عنده نزوعا اقصائيا. وقد عانت المرأة العربية اكثر ما عانت في ظل هذا الصعود على خشبة المسرح العام. وقد وجدت هذه القوى في مسألة المرأة مدخلاً رئيسًا للسيطرة على المجتمعات العربية، ولتوجيهها بحسب نظرتها إلى الحياة.

وبعد فوزالاسلاميين في مصر بالحكم عام 2013، ظهر أنّ الإسلام السياسي حاول بداية إسكات صوت المرأة المصرية، من خلال سلب حقوقها كحق الخُلع. وترافق ذلك مع حملة اتّهامات للقانون، من قبيل أنّ الخلع استيراد غربي، ومنع سفر المرأة لحضور مؤتمرات خارج مصر من دون محرم، ودفع إلى إنشاء مجلس قومي خاص بالرجال، واتهم المرأة بأنّها مسؤولة عن زيادة نسبة الطلاق والعنوسة في المجتمع.

الا أنّ التراكم النوعي في عمل مؤسسات المجتمع المدني والمنظّمات الحقوقيّة والنسويّة المصرية، جعل المرأة تتحرك بسرعة. لكنّ السلفية الآتية من السعوديّة أعادت الجدل حول المرأة إلى أيام محمد عبده وقاسم أمين. الى درجة انّ أحد ممثّلي الكتلة السلفيّة في البرلمان المصري اقترح حلّ البطالة بإعادة العاملات في القطاعين العام والخاصّ إلى منازلهن، حيث سيقمن بدورهنّ التاريخي في الإنجاب والرضاعة والتربية!

ومراقبُ الخطاب السياسي الاسلامي يلاحظ غياب المرأة عن مواقع اتّخاذ القرار، بذريعة حديث نبويٍّ يقول: “لن يفلحَ قومٌ ولّوا أمرَهم امرأةً”.

وفي تقرير أعدّته الأممُ المتّحدة يقول:”المنطقة العربيّة كانت الوحيدة في العالم التي لم يحقّق فيها أيُّ برلمان حدّا أدنى من 30 % للمرأة” حتى قيل: “ربيع الثورات العربيّة.. شتاء النساء العربيّات”.

تبدو نسبة وجود المرأة في البرلمانات العربية اليوم ضئيلة، وازدادت تضاؤلا مع صعود الإسلام السياسي إلى الحكم. فـ 5.6% هي نسبتهنّ في البرلمانات العربية، مقارنة بنسبة تصل إلى 31 % في عموم أوروبا، و44 % في فنلندا، و39.7 % في عموم الدول الإسكندنافية. بل ثمّة برلمانات عربيةٌ فرغت تماما من النساء، كمجلس الأمة الكويتي في العام 2012.

وكان منظّر الإخوان المسلمين عبد الرحمن البرّ قد كتب: “لا مانع من ترشّح المرأة للانتخابات النيابية وخروجها الى التصويت، مع ضرورة التزامها الضوابط الشرعية. خصوصا أنّ هذا الترشيح يضع المرأة المسلمة في معركة تواجه فيها النساء غير الإسلاميات، فيما المطلب الملح هو أن تحمل المرأة المسلمة المشروعَ الإسلامي إلى ساحة مواجهة نساء يحملن مشروعا يعمل على إفساد المجتمع”.

اذن موقفُ الإسلام السياسي من المرأة نوع من حرب جديدة ضد الوجود النسائي، من خلال استخدام الدين بشقيه الأخلاقي والقيمي.

كما نجد الرفض في كتابات السلفيين لكل ما يتعلق بالمساواة بين الجنسين أو الدفاع عن حرية المرأة، وفي السفر والعمل خارج البيت، ويعتبرون كل دعوة هدامة تدمر المجتمع الإسلامي عن طريق تدمير أخلاقه، وانها وسيلة استخدمها الغرب لتحقيق هذا الهدف.

وقد أفرد الاسلاميون فصولا بكاملها في كتبهم لاستعراض المظاهر السلبية التي لحقت المجتمعات الأوربية بفعل خروج المرأة الى العمل، ويستندون في ذلك إلى الآية االقرآني: “وقرن في بيوتكن”.

ويعتمد الخطاب السلفي المعاصر على الانتقائية في التعامل مع النصوص الدينية والأمثلة التاريخية الإسلامية، باختياره دعائم مواقفه عبر النصوص التي يفسرها لصالحه، وتغافله عن النصوص من القرآن والسنة التي تدعم موقفاً معارضاً. مثلاً يتغافل خطابهم عن الآيات التي تتوجه إلى المؤمنين والمؤمنات على قدم المساواة.

ولم يكتف سلفيو القرن الواحد والعشرين بممارسة العزل الاجتماعي والسياسي بحق النساء، بل أمعنوا في إصدار فتاوى غريبة.

فقد اصدر الداعية السلفي المصري أبو إسلام فتوى برّرت الاغتصاب في ميدان التحرير بحجة السفور. وشبّه الشيخ السلفي أبو اسحاق الحويني وجه المرأة بفرجها، في إشارة منه إلى وجوب ارتداء النساء للنقاب.

حتى أنّ بعض مشايخ السلفية اعتبر صوت المرأة عورة، ما يعني أن النساء بالنسبة للسلفيين عبارة عن كائنات جنسية.

والحال: هل لغة السلفيين تعبّر عن همومهم الجنسانوية؟ ولماذا لا يستطيعون استيعاب وجود دور للمرأة في الشأن العام؟ ولماذا شكلت المرأة بالنسبة لهم، في الخطاب الفقهي، لغة النفي والسرية والاباحية المستورة والغرائز المتخفية بغطاء أسود قاتم وتعبيرات تجهيلية نفيية؟

السابق
بالضاحية بعض الأمان.. وجبل عامل الأكثر أمانا
التالي
الموقوفون في إنفجار الشويفات احيلوا الى استخبارات الجيش