الراعي في المذكرة الوطنية: إعلان بعبدا أساس والطمع في السلطة سيأخذنا الى الهاوية

أعاد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في المذكرة الوطنية التي اعلنها من بكركي اليوم لمناسبة عيد القديس مار مارون، تأكيد الكنيسة على الثوابت التي تؤمن بها، طارحا الهواجس التي تراود الشعب وترسم أسس المستقبل وتحدد اولويات يتمسك بها اللبنانيون، من أجل مستقبل أفضل”، مشيرا الى ان المذكرة تركز على ثلاثة: العيش المشترك، الميثاق الوطني.
ففي العيش المشترك، فان هذه المقولة ليست شيئا عرضيا أو شعارا مرحليا، إنما هي لب التجربة اللبنانية، على الرغم من بعض التصرفات التي تحدو بالبعض أحيانا إلى الشك بهذه التجربة”، مؤكدا “إن صلب العيش المشترك هو إذا الإنتماء إلى مشروع حضاري التقى فيه الإسلام والمسيحية”، مشيرا الى ان هذا المشروع الحضاري أرسي على ثوابت ثلاث: الحرية، والمساواة في المشاركة، وحفظ التعددية، وهي ثوابت في أساس تكوين الدولة اللبنانية”.
وفي الميثاق الوطني، اشارت المذكرة الى ان الميثاق لم يكن يوما مجرد تسويات، أو تفاهمات عابرة، يقبل بها اليوم ويراجع في شأنها غدا، أو يتم التراجع عنها في أوقات تضارب المصالح والخيارات”.
وفي الصيغة، لفتت المذكرة الى انها اتت الصيغة لتعكس التجربة التاريخية التي أثبتت بأن لبنان لا يقوم إلا بجناحيه المسلم والمسيحي. والصيغة لم تقم يوما على مقاييس العدد”.
وقال:”إن ما أنجزه اللبنانيون معا، في زمن التأسيس، من ميثاقية وخبرة دستورية وسياسية، خليق بأن نفخر به، وبأن نستعيده في هذا الزمن الدقيق الذي يعيشه لبنان والمنطقة”.
وتابع:”لقد بلغ الوضع الراهن مرحلة الأزمة المصيرية، وهذا لا يخفى على أحد. والكنيسة المارونية التي كانت رائدة في التزامها القضية اللبنانية على مر العصور، لا يمكنها أن تقف موقف المتفرج مما يهدد مستقبل لبنان. ورأت أن ما ينقذ التجربة اللبنانية، هو مضي اللبنانيين قدما في استكمال إنجاز بناء الدولة وعلى اللبنانيين أن يعوا بأن أي مشروع وطني لا يمكن أن يتجذر في الواقع، إلا إذا أنتج دولة عادلة وقادرة ومنتجة، في كيان مستقر يخدم الإنسان”، محذرا “جميع اللبنانيين، ولا سيما المسؤولين السياسيين، من استمرار التفرد والتعنت والطمع في السلطة، فذلك سيأخذ لبنان نحو الهاوية”.
وأكد أن “من النتائج الخطيرة لتكبيل المؤسسات الدستورية تحويل الاستحقاقات الدستورية بمهلها أزمات وجودية، بدلا من أن تكون فرصا للديمرقراطية من أجل تداول سلس للسلطة. وخير مثال على ذلك: عدم التوصل إلى اتفاق على قانون انتخابي عادل، وعدم إجراء الانتخابات في موعدها، ما أوصل إلى تمديد للمجلس النيابي، وعدم التمكن من تشكيل حكومات في مهل معقولة، والتخوف من إحداث فراغ في رئاسة الجمهورية”.
وتطرق إلى “إقحام لبنان في قضايا الجوار من دون التبصر في ما يعود به ذلك على الوطن وتركيبته”.
وشددت المذكرة على حياد لبنان الايجابي،المرتكز على قوته الدفاعية بدعم الجيش وسائر القوى الأمنية، والملتزم قضايا الأسرة العربية، وبخاصة القضية الفلسطينية، وتلك المتعلقة بالعدالة، والعيش معا، والتنوع في الوحدة، وحقوق المواطنة، وبناء السلام، يشكل حاجة للمنطقة تفرض وجوده. وكي يتمكن لبنان المحايد من تأدية رسالته، يجب أن يكون قويا للدفاع عن نفسه ولخدمة محيطه. وإلى أن يستطيع استكمال مسيرة هذا الحياد، يجب العمل على تحييده عن الصراعات بين المحاور الإقليمية والدولية، كما نص عليه “إعلان بعبدا”، الذي يعتبر خطوة مهمة على هذا المسار، وعدم السماح باستعماله مقرا أو ممرا أو منطلقا لأي عمل من شأنه أن يورطه في هذه الصراعات أو في أزمات تتنافى وخصوصيته، والتوصل إلى الإستراتيجية الدفاعية الوطنية المنشودة، التي تمكن لبنان من استرجاع أراضيه وحماية حدوده.
واعتبرت المذكرة ان “الخروج من الأزمة الراهنة لا يكون إلا بالعودة إلى المصلحة الوطنية العليا على أسس الميثاق والدستور”.

وشددت على الحوار الداخلي، وكي ينجح في ترسيخ سلام حقيقي يجب أن يحصل في إطار المؤسسات،استكمالا لهيئة الحوار الوطني، وأن تحكمه آليات الديمقراطية التوافقية التي تنطلق من أسس الميثاق والدستور.
وأكدت المذكرة، العودة إلى جوهر الميثاق والإلتزام به، والتمسك بأبعاد صيغة “لا شرق ولا غرب”، وتعني حياد لبنان الإيجابي.
كما شددت على أحقية القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في العودة الى أرضهم، وعلى وجوب إحلال السلام في سوريا بسرعة، ومساعدة أبنائها على تقرير مصيرهم بحوار نزيه في ما بينهم. وأعادت تأكيد الإلتزام بقرارات الشرعية الدولية، ولا سيما بالقرار 1701.
وأكدت صون الدستور والتقيد به والإلتزام الجدي ببناء الدولة العادلة والقادرة والمنتجة من خلال: حفظ السيادة، وحصرية القوة العسكرية في يد الشرعية باستكمال بناء جدي لجيش عصري ومن خلال حماية إستقلالية القضاء، والإلتزام بتفعيل عمل المؤسسات الدستورية وإنفتاح لبنان على قوة أبنائه في الانتشار والعمل على منحهم حقهم في الإقتراع، وعلى إقرار قانون استعادة الجنسية.
وشددت على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، كرئيس للدولة وحام للدستور، من ضمن المهلة المحددة دستوريا وخارج أي جدل دستوري.
كما شددت على تأليف حكومات كفية، تعتمد خططا ولا ترتجل السياسات والحلول، وتلتزم ببياناتها الوزارية، وتنهض بالإقتصاد الوطني وتحقق المساواة والعدالة الإجتماعية، وتكافح الفقر والبطالة، وتقفل نهائيا ملف التهجير، وتضع خطة لمعالجة الدَّين العام وعجز الدولة عن إيفائه؛ وتقترح قوانين لحوكمة جيدة للإعلام، تحافظ على حريته المسؤولة، وتساعده على تأكيد استقلاليته، عبر التمويل الذاتي بوسائل معلنة وشفافة.
ودعا الراعي في المذكرة إلى “الاهتمام بالشباب الذين هم ثروة البلاد الكبرى والقوة التجددية في المجتمع والكنيسة وتعزيز مساهمة المرأة في المسؤوليات العامة ومشاركتها في الحياة السياسية”.
ودعا أيضا إلى “العمل على إصلاح إدارة الدولة وتحديثها باعتماد الكفاية العلمية والأخلاقية، واعتبار محاربة الفساد أولوية مطلقة، لأنه معطل أساسي لقيام الدولة”، مشدداعلى ضرورة “تعزيز إسهام لبنان في عملية خروج العالم العربي من مخاضه الراهن، بحثا عن أنظمة سياسية معاصرة تليق بإنسانه وبعراقة تراثاته، وتقوي حضوره الإيجابي في عالم اليوم، مع الحرص على الدعم الدولي لاستقرار في لبنان وتعزيز اقتصاده وتقوية قدرات الجيش اللبناني، والجهد القائم لمواجهة مشكلة النازحين السوريين”.
وختم:”إن لبنان تجربة إنسانية فريدة في هذا العالم، والكنيسة المارونية لن تحيد أبدا عن هذا الرهان العظيم الذي تعتبره من صميم رسالتها الوطنية، وسوف تظل تحث من دون كلل اللبنانيين، ولا سيما المسؤولين في ما بينهم، على أن يجعلوا من هذه التجربة رهانا ناجحا عبر بناء فعلي للدولة القائمة على الميثاق والانتاجية”.

السابق
بري: المجلس لا يفقد صلاحياته التشريعية إلا في الأيام العشرة الاخيرة
التالي
الشبكة المدرسية لصيدا استنكرت