قفزة رقمية للعالم العربي

تعود جذور العلم الذي كان سببا في ظهور كابلات الألياف البصرية، وهي تمثّل العمود الفقري للإنترنت السريع (برودباند)، إلى منطقة الشرق الأوسط. فإذا تقفينا مسار الاكتشافات والابتكارات الطويل نجد أنه يعود إلى قدماء المصريين والآشوريين الذين قاموا بتطوير أوّل العدسات في العالم، الأمر الذي ساعد الفلاسفة اليونانيين القدامى على وضع النظريات الأولى في مجال البصريات. وأصبحت أعمال أفلاطون (348 – 428 قبل الميلاد)، وإقليدس (275 – 330 قبل الميلاد)، وبطليموس (168 – 90 قبل الميلاد) بدورها مرجعا للعلماء والفلاسفة المسلمين، بما في ذلك الفيلسوف الكندي (873 – 801 ميلادي)، وابن سهل عالم الرياضيات (1000 – 940 ميلادي)، والعالم والفيلسوف ابن الهيثم (1040 – 965 ميلادي) الذي يعتبر أبا لعلم البصريات الحديث. وفي نهاية تراكم المعرفة هذا، جرى تكييف الأفكار الأساسية لاستعمال الألياف البصرية في مجال الاتصالات بعد استكمالها بالنظرية الكهرومغناطيسية وتطوير الفيزياء الحديثة. وترك هذا الاختراع أثرا عظيما، إذ أنّه أتاح للمعرفة أن تتنقّل بشكل فوري بين جميع أقطار العالم بفضل شبكات النطاق العريض. وقد حان الوقت الآن في المنطقة التي زرعت البذور الأولى لهذا الاختراع أن تضع هذه التكنولوجيا التحويلية في خدمة جميع مواطنيها كي تصبح محرّكا للنمو.

إنّ خدمة الإنترنت ذات النطاق العريض تحفز التنمية. فهي مثلا توفر التعليم ليكون في متناول فتاة صغيرة. الأهم أن تلك الخدمة تربط المجتمعات المهمّشة بفرص العمل وتمنحها منبرا يمكن لها من خلاله أن تطرح مطالبها. أما بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإنّ خدمة الإنترنت ذات النطاق العريض تقدّم فرصة لسدّ الفجوة في مجال القدرة التنافسية والاندماج التجاري مع المناطق الأكثر تقدما. لكن، ومع ذلك، نجد اليوم في المنطقة تأخرا كبيرا في مجال انتشار الإنترنت السريع مقارنة مع غيرها من المناطق، الأمر الذي يجعل هذه المنافع المتعددة بعيدة المنال. ولا يعود ذلك إلى نقص في المواهب أو الموارد البشرية، بل وبكل بساطة إلى ارتفاع تكاليف الحصول على تلك الخدمة. ففي المغرب، تبلغ تكلفة الاشتراك في النطاق العريض النقّال بالنسبة إلى أكثر من نصف السكان نحو 26 في المائة من الدخل الشهري. وهذا مثال بلد يبذل مجهودا كبيرا مقارنة ببقية الدول في المنطقة، حيث يمكن أن يبلغ الاشتراك في النطاق العريض أضعاف الدخل الشهري. كما أنّ الأسواق المحلية في دول المنطقة غالبا ما تكون تحت سيطرة عدد قليل من الشركات ما ينفي الحوافز الاقتصادية التي من شأنها تخفيض الأسعار وتحسين جودة الخدمة. كما تمتلك دول المنطقة مئات الكيلومترات من كابلات الألياف البصرية، وهي تقع تحت تصرف مرافق الطاقة والنقل الحكومية، إلا أنه لا يُوظف إلا جزء صغير من طاقتها. فتمتلك الجزائر مثلا رصيدا من الألياف يتجاوز الـ20.000 كيلومتر يقع تحت تصرف المرافق العامة. ويمكن لهذا الرصيد الكبير، إذا ما جرى وضع قوانين تنظيمية ملائمة، أن يجعل من الجزائر مركزا إقليميا جديدا في مجال انتشار خدمة الإنترنت السريع. كما إذا جرى استغلال تلك الإمكانات في ظل بيئة أكثر تنافسية يمكن الاستفادة من المزايا الكامنة في شبكات الإنترنت لدفع المنطقة إلى الأمام. وقد أظهرت أوروبا الشرقية وآسيا أنّ باستطاعة البلدان التي تقوم بخلق وتعزيز الأسواق المفتوحة للبنية التحتية والشبكات والخدمات والمحتوى الرقمي للنطاق العريض تخطي حتى البلدان الأكثر تقدّما. ويمكن لهذه المقاربة نفسها أن تُعتمد في العالم العربي، إذ لا يحتاج الأمر إلا إلى الالتزام بفتح الأسواق وتبني إصلاحات تنظيمية جذرية. فهيكلة السوق، والمنافسة، والحوكمة في صلب الفجوة بين منطقة الشرق الأوسط وبقية العالم. ويمكن تغيير هذا الأمر عبر إدخال تدابير لتعزيز المنافسة، والقضاء على الاحتكار، وإعطاء التراخيص لعدد أكبر من المشغلين، والتصدي للهيمنة، والحدّ من الحواجز التنظيمية أمام عملية دخول الأسواق. كذلك يجب توظيف شبكات الألياف البصرية غير المستغلّة لتعزيز الربط المحلي والدولي داخل بيئة تنافسية. وفي هذا الإطار، يرجح أن يمارس الشباب من سكان المدن ضغوطا هائلة في مجال الطلب على النطاق العريض من ناحية والتنمية العقارية من ناحية أخرى. ولا يمكن تلبية هذه المطالب إلا بالتنسيق المحكم بين الأعمال المدنية والوسائط المبتكرة في إمدادات البنية التحتية، وذلك بهدف ضمان اعتبار بناء القدرات في مجال النطاق العريض جزءا لا يتجزأ من بناء المساكن الجديدة. وقد قام قطاع الاتصالات بجذب رأس المال إلى المنطقة لفترة طويلة، وأصبح هذا القطاع القوة الدافعة للاستثمار الأجنبي المباشر في معظم البلدان على مدى العقد الماضي. وإذا جرى إنشاء الإطار التنظيمي المناسب على الصعيدين الوطني والإقليمي، فيمكن حينها تمويل عملية توسيع شبكة النطاق العريض، ووضع الأسس لعملية الابتكار والنمو التي يقودها النطاق العريض والمحمول.

إنّ للعالم العربي فرصة لخلق إطار تنافسي حيويّ، يلبّي فيه مشغلون متعددون للنطاق العريض الطلب المتزايد على مختلف الخدمات لفائدة جميع الفئات السكانية، لا سيما الشباب المقبلين بكل حماس على التكنولوجيا. وسيمثّل ذلك ضربة البداية لعملية النمو. فلقد أظهرت الدراسات أنّ كل زيادة بنسبة 10 في المائة في مشتركي النطاق العريض تؤدي إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.4 في المائة وإلى ارتفاع في نسبة الصادرات بنسبة 4.3 في المائة. كما أنّ كل فرصة عمل تخلق في عملية بناء الشبكة تثمر في خلق أكثر من ثلاث وظائف في بقية المجالات الاقتصادية. وعلى نفس القدر من الأهمية بالنسبة إلى المنطقة، فإنّ قطاع الاتصالات يوفّر فرصا للنساء والشباب، الذين يعانون من مستويات مرتفعة جدا من البطالة. كل ذلك سيشكل، بنهاية المطاف، مكسبا للإرث الذي تركه ابن الهيثم، وسيسمح بقطاف ثمرة اختراعاته. ولكي تتكلل تلك المهمة بنجاح كل ما ينبغي فعله هو خلق البيئة المناسبة لشعوب منطقة الشرق الأوسط كي تستفيد من مزايا هذه الخدمة الأساسية. تعود جذور العلم الذي كان سببا في ظهور كابلات الألياف البصرية، وهي تمثّل العمود الفقري للإنترنت السريع (برودباند)، إلى منطقة الشرق الأوسط. فإذا تقفينا مسار الاكتشافات والابتكارات الطويل نجد أنه يعود إلى قدماء المصريين والآشوريين الذين قاموا بتطوير أوّل العدسات في العالم، الأمر الذي ساعد الفلاسفة اليونانيين القدامى على وضع النظريات الأولى في مجال البصريات. وأصبحت أعمال أفلاطون (348 – 428 قبل الميلاد)، وإقليدس (275 – 330 قبل الميلاد)، وبطليموس (168 – 90 قبل الميلاد) بدورها مرجعا للعلماء والفلاسفة المسلمين، بما في ذلك الفيلسوف الكندي (873 – 801 ميلادي)، وابن سهل عالم الرياضيات (1000 – 940 ميلادي)، والعالم والفيلسوف ابن الهيثم (1040 – 965 ميلادي) الذي يعتبر أبا لعلم البصريات الحديث. وفي نهاية تراكم المعرفة هذا، جرى تكييف الأفكار الأساسية لاستعمال الألياف البصرية في مجال الاتصالات بعد استكمالها بالنظرية الكهرومغناطيسية وتطوير الفيزياء الحديثة. وترك هذا الاختراع أثرا عظيما، إذ أنّه أتاح للمعرفة أن تتنقّل بشكل فوري بين جميع أقطار العالم بفضل شبكات النطاق العريض. وقد حان الوقت الآن في المنطقة التي زرعت البذور الأولى لهذا الاختراع أن تضع هذه التكنولوجيا التحويلية في خدمة جميع مواطنيها كي تصبح محرّكا للنمو.

إنّ خدمة الإنترنت ذات النطاق العريض تحفز التنمية. فهي مثلا توفر التعليم ليكون في متناول فتاة صغيرة. الأهم أن تلك الخدمة تربط المجتمعات المهمّشة بفرص العمل وتمنحها منبرا يمكن لها من خلاله أن تطرح مطالبها. أما بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإنّ خدمة الإنترنت ذات النطاق العريض تقدّم فرصة لسدّ الفجوة في مجال القدرة التنافسية والاندماج التجاري مع المناطق الأكثر تقدما. لكن، ومع ذلك، نجد اليوم في المنطقة تأخرا كبيرا في مجال انتشار الإنترنت السريع مقارنة مع غيرها من المناطق، الأمر الذي يجعل هذه المنافع المتعددة بعيدة المنال. ولا يعود ذلك إلى نقص في المواهب أو الموارد البشرية، بل وبكل بساطة إلى ارتفاع تكاليف الحصول على تلك الخدمة. ففي المغرب، تبلغ تكلفة الاشتراك في النطاق العريض النقّال بالنسبة إلى أكثر من نصف السكان نحو 26 في المائة من الدخل الشهري. وهذا مثال بلد يبذل مجهودا كبيرا مقارنة ببقية الدول في المنطقة، حيث يمكن أن يبلغ الاشتراك في النطاق العريض أضعاف الدخل الشهري. كما أنّ الأسواق المحلية في دول المنطقة غالبا ما تكون تحت سيطرة عدد قليل من الشركات ما ينفي الحوافز الاقتصادية التي من شأنها تخفيض الأسعار وتحسين جودة الخدمة. كما تمتلك دول المنطقة مئات الكيلومترات من كابلات الألياف البصرية، وهي تقع تحت تصرف مرافق الطاقة والنقل الحكومية، إلا أنه لا يُوظف إلا جزء صغير من طاقتها. فتمتلك الجزائر مثلا رصيدا من الألياف يتجاوز الـ20.000 كيلومتر يقع تحت تصرف المرافق العامة. ويمكن لهذا الرصيد الكبير، إذا ما جرى وضع قوانين تنظيمية ملائمة، أن يجعل من الجزائر مركزا إقليميا جديدا في مجال انتشار خدمة الإنترنت السريع. كما إذا جرى استغلال تلك الإمكانات في ظل بيئة أكثر تنافسية يمكن الاستفادة من المزايا الكامنة في شبكات الإنترنت لدفع المنطقة إلى الأمام. وقد أظهرت أوروبا الشرقية وآسيا أنّ باستطاعة البلدان التي تقوم بخلق وتعزيز الأسواق المفتوحة للبنية التحتية والشبكات والخدمات والمحتوى الرقمي للنطاق العريض تخطي حتى البلدان الأكثر تقدّما. ويمكن لهذه المقاربة نفسها أن تُعتمد في العالم العربي، إذ لا يحتاج الأمر إلا إلى الالتزام بفتح الأسواق وتبني إصلاحات تنظيمية جذرية. فهيكلة السوق، والمنافسة، والحوكمة في صلب الفجوة بين منطقة الشرق الأوسط وبقية العالم. ويمكن تغيير هذا الأمر عبر إدخال تدابير لتعزيز المنافسة، والقضاء على الاحتكار، وإعطاء التراخيص لعدد أكبر من المشغلين، والتصدي للهيمنة، والحدّ من الحواجز التنظيمية أمام عملية دخول الأسواق. كذلك يجب توظيف شبكات الألياف البصرية غير المستغلّة لتعزيز الربط المحلي والدولي داخل بيئة تنافسية. وفي هذا الإطار، يرجح أن يمارس الشباب من سكان المدن ضغوطا هائلة في مجال الطلب على النطاق العريض من ناحية والتنمية العقارية من ناحية أخرى. ولا يمكن تلبية هذه المطالب إلا بالتنسيق المحكم بين الأعمال المدنية والوسائط المبتكرة في إمدادات البنية التحتية، وذلك بهدف ضمان اعتبار بناء القدرات في مجال النطاق العريض جزءا لا يتجزأ من بناء المساكن الجديدة. وقد قام قطاع الاتصالات بجذب رأس المال إلى المنطقة لفترة طويلة، وأصبح هذا القطاع القوة الدافعة للاستثمار الأجنبي المباشر في معظم البلدان على مدى العقد الماضي. وإذا جرى إنشاء الإطار التنظيمي المناسب على الصعيدين الوطني والإقليمي، فيمكن حينها تمويل عملية توسيع شبكة النطاق العريض، ووضع الأسس لعملية الابتكار والنمو التي يقودها النطاق العريض والمحمول.

إنّ للعالم العربي فرصة لخلق إطار تنافسي حيويّ، يلبّي فيه مشغلون متعددون للنطاق العريض الطلب المتزايد على مختلف الخدمات لفائدة جميع الفئات السكانية، لا سيما الشباب المقبلين بكل حماس على التكنولوجيا. وسيمثّل ذلك ضربة البداية لعملية النمو. فلقد أظهرت الدراسات أنّ كل زيادة بنسبة 10 في المائة في مشتركي النطاق العريض تؤدي إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.4 في المائة وإلى ارتفاع في نسبة الصادرات بنسبة 4.3 في المائة. كما أنّ كل فرصة عمل تخلق في عملية بناء الشبكة تثمر في خلق أكثر من ثلاث وظائف في بقية المجالات الاقتصادية. وعلى نفس القدر من الأهمية بالنسبة إلى المنطقة، فإنّ قطاع الاتصالات يوفّر فرصا للنساء والشباب، الذين يعانون من مستويات مرتفعة جدا من البطالة. كل ذلك سيشكل، بنهاية المطاف، مكسبا للإرث الذي تركه ابن الهيثم، وسيسمح بقطاف ثمرة اختراعاته. ولكي تتكلل تلك المهمة بنجاح كل ما ينبغي فعله هو خلق البيئة المناسبة لشعوب منطقة الشرق الأوسط كي تستفيد من مزايا هذه الخدمة الأساسية.

السابق
ميقاتي: الوضع اللبناني معلق الى أن تتضح الصورة في المنطقة
التالي
المئوية.. و194 قطعة موزاييك في 2014