من هي ضاحية بيروت الجنوبية وشو تاريخها؟ (2)

في هذه الحلقة الثانية والأخيرة من ملفّ "من هي ضاحية بيروت الجنوبية وشو تاريخها"، نستعرض أحياء الضاحية وبلدياتها ومعناها في الوعي اللبناني السياسي، ودورها الثقافي.

ازداد عدد الوافدين الشيعة إلى الضاحية الجنوبية لبيروت مع بداية الحرب الأهلية العام 1975، حيث اضطر أكثر من 150 ألفاً من سكان الأحياء الشرقية للعاصمة بيروت، إلى ترك النبعة والدكوانة وحارة الغوارنة وسبنيه وبطشيه وتل الزعتر وجبيل وغيرها قسراً، واحتضنت الضاحية قسماً كبيراً من شيعة الجنوب، الذين نزحوا إليها نتيجة الاعتداءات والاجتياحات الإسرائيلية المتكررة للقرى الجنوبية. كما نزح إليها البقاعيون طلباً للرزق، فتحولت حقول الحمضيات والصبير وأحراج الصنوبر، إلى أحياء سكنية عشوائية غير منظمّة، وظهرت أحياء جديدة أخذت بمعظمها طابع الفوضى والعشوائية.

ويبلغ حاليا عدد السكان في الضاحية الجنوبية لبيروت من اللبنانيين نحو 800 ألفاً، يتوزعون على الشكل التالي:53 % من الجنوب.21%  من البقاع.14% من بيروت.10 % من جبل لبنان (من ضمنهم سكان المنطقة الأصليين).

تضم الضاحية الجنوبية لبيروت عدداً من البلديات منها: الغبيري، الشياح، حارة حريك، المريجة وبرج البراجنة.

– الغبيري: يقطنها 200 ألف نسمة من السكان الاصليين والوافدين. عائلات السكان الأوائل تمثلها 158 عائلة كما يرد في السجلات الإحصائية المحلية. ومن عائلاتها: الخنسا، خليل، كنج، فرحات، علامة، الحركة، الحاج ورعد..

– برج البراجنة: يقطنها 300 ألف نسمة، وتتميز بالعدد الكبير من المدارس الرسمية والخصوصا والمؤسسات الاقتصادية والتجارية وقد انتخب أول مجلس بلدي لها العام 1967.

– حارة حريك: يبلغ عدد سكانها وفق سجلات القيد، نحو عشرين ألف نسمة، في حين باتت حالياً بلدة ضخمة يسكنها أكثر من 250 ألف نسمة، معظمهم من قرى البقاع والجنوب. وتعد الان معقلا لحزب الله او ما عرف قبل حرب تموز2006 بـ(المربع الامني). وتضم عددا كبيرا من المؤسسات السياسية والدينية والثقافية.

– حي السلم: يتبع إدارياً لبلدية الشويفات، وبالتالي هو في قضاء عاليه(جبل لبنان) ويبعد عن وسط العاصمة بيروت نحو 11 كلم، وأصبح من أكثر المناطق اللبنانية اكتظاظاً بالسكان، حيث يعيش على مساحة 4،5 كلم مربع ما يناهز 250 ألف شخص. وهؤلاء نزح معظمهم من البقاع وتحديداً من محافظة بعلبك ـ الهرمل. هذا الزحف البقاعي واكبه زحف جنوبي منذ منتصف السبعينات وازداد بعد اجتياح 1978. ويذكر ان هذه المنطقة معلقة وسط بلديات ثلاث:المريجة- الحدث- الليلكي- الشويفات. وقد ازداد اختناقا بعد هجرة اللاجئين السوريين إليه، بسبب تدنيّ مستوى المعيشة لجهة ايجارات المنازل والمحال التجارية.

– الجناح/الاوزاعي: يعتاش اهلها من المحال التجارية المتوسطة والصغيرة التي تطل على البحر، وتتميز بالبناء العشوائي، حيث ان آلاف المواطنين تهجروا إلى هذه المنطقة بسبب الحرب، من أحياء المسلخ والكرنتينا والنبعة وبرج حمود في الجهة الشرقية من بيروت، وكذلك نزح إليها وسكنها مواطنون من الجنوب والبقاع.

عندما يُذكر اسم (الضاحية الجنوبية) في وسائل الإعلام يتبادر الى الذهن المعنى السياسي لها لأنها عرفت سابقا بـ(ساحل المتن الجنوبي). فالضاحية اليوم امتدت الى مسافات جديدة، ووصلت الى حدود الحدث والشويفات وسن الفيل، وأصبح فيها شوارع وأوتوسترادات لم تكن قائمة سابقاً. ومن أحيائها الجديدة حي الأميركان الذي يقع بين الحدث وصفير، وشارع الجاموس. وامتد العمران الجديد الى مناطق بئرحسن واوتوستراد المطار الجديد ومنطقة الطيونة. وتحولت المساحات الرمليّة الى بنايات ضخمة وفخمة، ولا يقل سعر الشقة في هذه المناطق عن 250 ألف دولار أميركي. وتشهد الضاحية اليوم نهضة عمرانية كبيرة. الا ان القلق يساور اهلها بعد سلسلة انفجارات طالتهم خلال الاشهر الماضية، والتي دفعت العديد منهم الى العودة الى الجنوب والبقاع بحثا عن الأمان، بعد مشاركة حزب الله في سوريا وبعد التهديدات. وقد تميّزت الضاحية بعد حرب تموز2006 بالفورة الاقتصادية حيث انتعشت المحال التجارية، وارتفعت نسبة الإقبال عليها بسبب ما يمكن تسميته بـ(CLOSED) نتيجة الصراع بين القوى السياسية الداخلية بين 8 و14 آذار.

اتّسم الجو الثقافي في الضاحية بسمة حزبية واحدة مع غياب التنوع، فنادرا ما نسمع عن اقامة معارض فنية في الضاحية الجنوبية بعيدة عن السلطة الموجودة فيها والمتمثلة بـ(حزب الله)، ما عدا الشياح حيث السيطرة البارزة هي لحركة أمل. رغم ان القاطنين بالضاحية هم من شتّى المشارب والأهواء. ويتابعون نشاطهم الثقافي خارج هذا الحيّز المكانيّ ربما بسبب البيئة المحافظة.

مع العلم أنه انتشر في مرحلة من المراحل عدد من الملتقيات الثقافية المتنوعة الاتجاهات في الضاحية الجنوبية إلا أنها توقفت منها: ملتقى الثلاثاء الثقافي، ومنتدى الحوار، وغيرها الكثير. وتنحصر الثقافة والفنون حاليا بنشاطات جمعية “رسالات”. ولا تلعب حركة امل، او ايّ من المستقلين اي دور ثقافي باستثناء البعض ممن لا يُشكل حالة نافرة او كبيرة. وإن كان هناك مؤسسات ثقافية وتربوية ناشطة مثل حوزة الإمام السجاد وجمعية هيا بنا والمعهد الفني الإسلامي والجمعية الخيرية الثقافية وحوزة الثقلين ومركز الحوار وموقع جنوبية دوت كوم وموقع لبنان الجديد وغيرها.

وتحتفظ مؤسسات المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله بجزء من المشهد العام، الذي يعطي الامر نكهة خاصة، لكن لا يميزها او ينفِّر منها الآخر صاحب الكلمة الفصل كونها تبقى في اطار الثقافة الدينية. وتنتشر في الضاحية بعض المؤسسات الثقافية الرسميّة (كالجامعة اللبنانية)، والخاصّة.

وفي المحصلة، تغيّرت الضاحية كما تغيّر الجنوب، عبر مسار ثلاثة عقود من الزمن، تغيّرا بدأ هجينا وصار لصيقا. ولكن يبقى الجنوبيّ(والذي يضم أبناء جنوب لبنان وابناء جنوب بيروت) القويّ والعصيّ على الإنكسار الذي يعتز بمقاومته وبشهدائه الذين يزينون الساحات والأعمدة والأنصبة في ثلاثية الشهادة والانتصار والقوة.

إقرأ أيضاً: من هي ضاحية بيروت الجنوبية وشو تاريخها؟ (1)

السابق
الاعتدال ليس ضعفاً ولا يُردّ على التطرّف بالتطرّف
التالي
كيف يعيش أهل الضاحية بين تفجير وتفجير؟