نسيب لحود… المحترم

أسوأ ما يدهمنا في استعادة ذكرى نخبوي من صفوة النخب السياسية اللبنانية ارهاب كأنه يختار الى جانب ضحاياه مواعيد مثقلة بالرمزيات للإمعان في إغراق لبنان بالكآبة فوق فائض الدماء.

ترانا والحال هذه كأننا نسرق اللحظة السريعة بين الجريمة وأختها لنهرب بها الى تحية روح نسيب لحود الذي بكر في الرحيل قبل عامين. ولعلها مفارقة انه قبل أسابيع قليلة من وفاته لم يخف خشيته من انعكاسات الأزمة السورية الطالعة التي كانت في مرحلتها الاولى على لبنان ولو انه لم يكتم آماله في فجر جديد يحرر سوريا من أسر الديكتاتورية.
على أهمية استعادة النزعة السيادية والاستقلالية التي طبعت المسار والموقع السياسيين لدى نسيب لحود قد يكون الأهم منهما مع تزامن الذكرى الثانية لرحيله وبدء العد العكسي للاستحقاق الرئاسي التوقف عند خصال شخصية خالصة ميزته وجعلته يرسم حول صورته إطارا لمناقبية نادرة. يتخذ هذا الجانب من سيرة نسيب لحود وسلوكه بالفصل فصلاً تاماً بين الخاص والعام وعزل المصالح الشخصية عن المسلك السياسي بعداً اكثر ثقلاً بعد وفاته منه خلال حياته. ذلك ان الرجل الذي لم يكن يوماً شعبوياً بالمعنى الزعاماتي الرائج لم يتنازل امام مستلزمات الشعبوية واختار لنفسه إطار مناقبيات نخبوية صرفة كلفته الكثير في الانتخابات النيابية والرئاسية.
نقول ذلك في راحل يبدو اليوم بالذات صاحب تجربة يعجز كل ذي وجدان حي عن مقاربة الاهتراء السياسي الذي يضرب أسس الأخلاقيات السياسية في الصميم من دون استحضار تجربته ومسيرته كعنوان مناهض حاد للفساد السياسي. ونقول ذلك من دافع المعرفة التامة بان انهيار الدولة لا يقف فقط على انهيار ركائزها السياسية والأمنية والسيادية على ما نخشاه راهناً وإنما أيضاً بفعل اجتياح غير مسبوق للفساد لكل أوجه الحياة الرسمية والسياسية والاجتماعية حتى حدود المعادلة القائلة بان الفساد في لبنان هو نظام حياة.
نادرون هم الذين نجحوا كنسيب لحود في دخول معترك السياسة وخرجوا منه ولو الى ملاقاة ربهم على قاعدة ما لقيصر لقيصر وما لله لله، بالفصل فصلاً تاماً بين الخاص والعام. لذا تمكن نسيب لحود من التمتع بحرية استقلاليته الكاملة حتى ضمن تحالفاته ومارس هذه الاستقلالية الى حدود الغلو. كانت تلك لتكون احدى اهم ميزاته “رئيساً” خصوصاً انه ما انفك يدافع عن الطائف ليس كميثاق فحسب بل من منطلق اعتباره انه يبقي للرئيس صلاحيات اكثر بكثير مما يسود في الاعتقاد المسيحي النازع الى “كربلاء” دائمة على الصلاحيات المنتقصة. كان يردد دوماً انه لو انتخب لأثبت الى اي حد لا يزال رئيس الجمهورية يتمتع بصلاحيات كافية بقوة الدستور. ولا نغالي اذا زدنا أيضاً بقوة المناقبية.

السابق
الاخبار: سيارة الانتحاري كانت مركونة داخل كاراج لشخص من آل الحجيري
التالي
«ليلة القدر» وحصة الجنرال عون