ما هو السبب وراء خوف كيري؟

من الواضح وضوح السنا في الوقت الراهن أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري إما أن يكون هو المنقذ الدبلوماسي لإسرائيل أو أخطر المتعصبين الدبلوماسيين الذين واجهتهم إسرائيل على الإطلاق. بيد أنه لم يعد هناك أي حالة وسط بين هذين الأمرين. ويعتبر ذلك من اللحظات النادرة في السياسة الخارجية التي تأسر الانتباه.

وفي الحقيقة أن الأمر الذي يجرؤ كيري على اختباره يعد مسألة يرغب الجميع في تجنبها: هل الوضع بين الإسرائيليين والفلسطينيين (يتخطى نطاق الدبلوماسية)؟

وهل صار لدى إسرائيل المزيد من القوة أكثر من جيرانها بما يستحيل معه وجود مفاوضات متكافئة، ولا سيما عندما يبدو أن الفلسطينيين غير راغبين أو قادرين على القيام بانتفاضة أخرى قد تجبر إسرائيل على الانسحاب؟ هل أصبح هناك الكثير من الاضطراب في المنطقة المحيطة بإسرائيل بما يجعل أي انسحاب إسرائيلي من أي مكان منها أمرا غير وارد؟ هل بات عدد اليهود الإسرائيليين الذين يعيشون الآن في القدس الشرقية والضفة الغربية كبيرا للغاية – أكثر من 540 ألف شخص – بحيث لا يمكن انتقالهم؟ وهل صارت بلاغة الفلسطينيين بشأن حق العودة مغروسة بعمق في السياسة الفلسطينية؟ وبناء على ذلك، فعند النظر إلى هذه الأمور جميعا في آن واحد، يكون أي توقع لوجود الشجاعة لدى أي قائد إسرائيلي أو فلسطيني لتقديم التنازلات الكبيرة المطلوبة من أجل التوصل إلى حل الدولتين ضربا من ضروب الخيال؟

يترك الرئيس أوباما كيري يختبر جميع هذه الأمور. وفي المقابل، فعل كيري ذلك بحماسة شديدة متواصلة – حيث لا يمكنني أن أحصي عدد زياراته في هذا الصدد – ولكن بطريقة متطورة للغاية. وبعد ترك الطرفين يدخلان في مفاوضات عديمة الجدوى لمدة ستة أشهر، يخطط كيري في الوقت الراهن لتقديم «اتفاق إطار عمل» الولايات المتحدة الذي سيوضح الأمور التي تعتبرها واشنطن بأنها تنازلات أساسية يلزم على الإسرائيليين والفلسطينيين تقديمها من أجل التوصل إلى اتفاق عادل ودائم. ومن المتوقع أن تدعو «خطة كيري»، التي من المحتمل كشف النقاب عنها قريبا، إلى إنهاء الصراع وجميع المطالب، عقب الانسحاب الإسرائيلي المرحلي من الضفة الغربية (بالاعتماد على حدود 1967) مع وجود ترتيبات أمنية غير مسبوقة في منطقة غور الأردن الاستراتيجية. ولن يتضمن الانسحاب الإسرائيلي حدوث الانسحاب من تجمعات استيطانية معينة، بل ستقوم إسرائيل بتعويض الفلسطينيين عن طريق منحهم جزءا من الأراضي الإسرائيلية. وستطالب الخطة بوجود عاصمة للفلسطينيين في القدس الشرقية العربية، بالإضافة إلى اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي. ولن تتضمن الخطة أي حقوق لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل على الإطلاق.

ويتوقع كيري ويحدوه الأمل بأن يعلن كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس عن استخدامهما «اتفاق إطار العمل» الخاص بالولايات المتحدة كأساس لإجراء المزيد من المفاوضات رغم تحفظاتهما بشأن عنصر أو أكثر مما هو وارد في إطار العمل.

وفي هذا السياق، تكون الأمور أكثر إثارة للانتباه، حيث قام المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون، الذين على اتصال وثيق بنتنياهو، بوصف كيري بأنه مشتت – فيما بين التفهم الواضح لمدى ضرورة حل الدولتين بالنسبة لتكامل إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية – وما بين إقامة العلاقات الطيبة مع أوروبا والغرب والتي تعد أمرا حيويا لاقتصاد إسرائيل. بيد أن كيري يبقى متشككا بشكل كبير في ما يخص نوايا الفلسطينيين أو حسبما صرح به نتنياهو في هذا الصدد قائلا: «لا أريد وجود دولة ثنائية القومية، كما أننا لا نريد أيضا وجود دولة أخرى تبدأ في مهاجمتنا». وكانت القاعدة الأساسية التي يطورها كيري – رغم ذلك – تتمثل في عدم الرغبة في تراجع نتنياهو.

ويعتبر هذا الأمر هو سبب التخوف – فرغم أن نتنياهو بدأ في إعداد ووضع القاعدة لخطة الولايات المتحدة – فمن المحتمل أن يتعرض ائتلافه للانهيار في حال مضيه قدما بالاعتماد على هذا الأساس، حتى ولو مع وجود تحفظات. وعلاوة على ذلك، فإنه سيخسر جزءا رئيسا من حزبه (الليكود) وجميع حلفائه الآخرين بالتيار اليميني. وبإيجاز، سيتعين على نتنياهو، من أجل المضي قدما في هذا الأمر، إرساء قاعدة سياسية جديدة فيما يتعلق بأحزاب الوسط. ولكي يفعل ذلك، سيجب على نتنياهو أن يصبح قائدا جديدا – إلى حد ما – ليتغلب على ازدواجيته بشأن أي اتفاق مع الفلسطينيين بهدف أن يصير أبرز المروجين المتحمسين بإسرائيل للترويج لاتفاق حل الدولتين، وإلا فإن مساعيه ستبوء بالفشل.

ويقول غيدي غرينشتاين، رئيس معهد «ريئوت» – إحدى الجماعات الإسرائيلية الاستراتيجية البارزة – «ليس هناك في السياسة شيء أخطر من التراجع، كما أنه لا يوجد ما هو أصعب من الحفاظ على النجاح. ويتطلب الأمر الانفصال التدريجي عن أكثر المؤيدين، الذين يتحولون ببطء إلى ألد الخصوم».

وفي حال اكتشاف الفلسطينيين والإسرائيليين لطريقة للمضي قدما في خطة كيري، سيظل كل شيء ممكنا. ويعد النجاح مضمونا بالكاد، بيد أنه لن يأتي متأخرا. ولكن في حالة عدم موافقة الطرفين أو أحدهما، سيتعين على كيري أن يصل بمهمته إلى النتيجة المنطقية وإعلان انتهاء التفاوض بشأن حل الدولتين. (وإلا فإنه سيخسر مصداقيته).

وعندما يحدث ذلك، سيجب على إسرائيل التي تسيطر على الأرض إما أن تنفذ انسحابا من جانب واحد أو قبول عواقب العزلة العالمية لاحتلال الضفة الغربية بشكل دائم أو تصميم إطار عمل جديد لدولة واحدة للشعبين.

وبناء على ذلك، يوضح هذا الأمر أن الإسرائيليين والفلسطينيين بحاجة إلى فهم مهمة كيري على أنها المحطة الأخيرة للتفاوض بشأن حل الدولتين، حيث إن المحطة التالية لن تصب في مصلحتهما.

السابق
رلى يعقوب أيضاً كانت يوماً فتاةً صغيرة
التالي
الرئيس سليمان يلتقي الوزير أبو فاعور في بعبدا