شاهد لحظة طلوع الروح في انفجار الهرمل!

انفجار الهرمل
لكن ما هو أصعب على المواطن استيعابه عدد الانفجارات وتّوزعها المتزايد بين طرابلس شمالا والهرمل بقاعا والضاحية في الوسط وصيدا جنوبا. والأصعب هو تحمله اعلاما رخيصا يتعاطف ظاهريا مع المواطن المنكوب ويستضيف في الوقت عينه ذلك "الفاعل" بأزيائه المختلفة تلك ليكرّس "فعلة" الارهاب في رسالة نعي واستنكار كاذبة.

ليس الانفجار الأوّل الذي يعصف بأرض لبنانية ولن يكون الأخير. والتسليم بهذا القول ليس تشاؤما ولا توقعا ولا تمنيا لاستمرار مسلسل الارهاب في لبنان بل لأن الفاعل يتكاثر حرّا طليقا يوميا بيننا ويرتدي صباح كلّ يوم أزياء جديدة تبهر الشعب المصفّق له “بحرارة” غير مسبوقة دون ان يدري هذا الاخير هوية من يصفق له. فتارة نرى القاتل بزيّ رجل دين يفتن بين المؤمنين ويزرع بينهم خطبا مفخخة بالحقد السياسي والكراهية الطائفية وينتزع المنطق من عقولهم ليزرع مكانها وعودا بجنّة طريقها الدموي لا يميّز بين مدني وعسكري وطفل وكهل ومذنب وبريء! وتارة اخرى نراه يرتدي بذلة رسمية باهظة الثمن بلون دموي قاتم مضيفا الى “طلّته” المصطنعة رائحة جثث الابرياء، مزيّنا اسمه على المنابر بلقب نائب “أمّة” مفككة ووزير “دولة” مفقودة ومحلل سياسي “فصيح” يخطب بجمهوره “المنكوب” ليقنعه بتبرير قتل نصف الأمة على يد النصف الآخر منها!

لكن ما هو أصعب على المواطن استيعابه عدد الانفجارات وتّوزعها المتزايد بين طرابلس شمالا والهرمل بقاعا والضاحية في الوسط وصيدا جنوبا. والأصعب هو تحمله اعلاما رخيصا يتعاطف ظاهريا مع المواطن المنكوب ويستضيف في الوقت عينه ذلك “الفاعل” بأزيائه المختلفة تلك ليكرّس “فعلة” الارهاب في رسالة نعي واستنكار كاذبة.

هذا الهوس الاعلامي باستضافة المحرّض والمموّل على الارهاب انعكس على المواطن بدوره هوسا من نوع آخر هو الهوس بمشاهد الدماء والجرحى والقتلى وبكاء عائلات الضحايا واصدقائهم لحظة بلحظة.

ولإشباع هذا “الهوس” تأتيك المواقع الاخبارية الاكترونية بروابط تسحق ما تبقى من انسانيتنا شبه المعدومة أصلا. فعلى أحد المواقع الاكترونية رابط “شاهد فيديو لحظة وقوع الانفجار” وهو ما يبدو عنوانه مقبولا لنتحمس لمشاهدته. لكن أن تصل بنا وقاحة “عشق” متابعة الدماء التي تنزف في وطننا الى نشر رابط معنون كالتالي : “شاهد فيديو دماء الشاب تسيل بالقرب من الانفجار قبل موته”… ورابط “شاهد صورة رأس الطفل المقطوع في الانفجار”… ورابط “شاهد فيديو أمّ الشهيدة تبكي مفجوعة امام جثة ابنتها” … وصولا الى رابط “شاهد غزارة دم الشهيد على رصيف الشارع”… فهذا هو الهوس الاعلامي القاتل اكثر من جريمة القتل نفسها. لكنّه هوس ينسف الأحياء لا الأموات ويقتلهم امام الشاشات بقسوة الصورة والعنوان.

هذا الهوس يكتمل مشهده الرهيب حين يتعمّد مراسلو القنوات اللبنانية نشر صورهم على مواقع التواصل الاجتماعية وخلفهم دماء ابرياء تسيل على ارض التفجير أو صورهم بالقرب من مقابر شهداء الارهاب أو صورهم مرفقة ببيت رثاء شعري بالقرب من أم تبكي ابنها المفجوع امام كاميرا “متشوّقة” لسبق صحافي مخالف للتوقيت الانساني.

لهؤلاء الفرحين بصورهم والمبهورين بعبارات تشجيع من جمهورهم الالكتروني “الخيالي” على صورهم في مكان الانفجار، لهم أسئلة برسم “هوسهم” المرضي: ألم تنزلوا وتغطوا الانفجار وتوابعه الدموية وتخطفوا انتباه المشاهد؟ فلماذا تصرون اذا على اثبات وجودكم البطولي في مكان الحدث بإعادة نشر صوركم من داخل معارك الدماء والدموع!؟ ايّ جمالية صورية وايّ احساس بالتباهي وارضاء للطموح المهني “التوسعي” عبر الفايسبوك وتويتر تشعرون به في تلك اللحظات!؟

اوقفوا خدمة الخبر العاجل للانفجارات. ليس على هواتفكم الذكية. بل اوقفوا رغباتكم الجامحة في عقولكم المبرمجة الكترونيا على متابعة صور وفيديوهات الدماء والتباهي بسبق صحفي مشبع بدماء شهداء وبكاء اهاليهم وآراء انفعالية تقطفونها من مواطنين متحمسين لظهورهم خلف مراسل “متهوّر” بسبقه الصحفي. اوقفوا مهازلكم الاعلامية على حساب الأرواح كي لا نصل الى يوم نلهث فيه للضغط على فيديو “شاهد طلوع الروح”.

· صحافية لبنانية

https://www.facebook.com/Mrouerowaida

السابق
:تقرير (LBC)عن المداورة في ٢٠ عاماً: اقتصرت على ‘السياحة’
التالي
واشنطن تنفي أنها طلبت إجراء محادثات مباشرة مع الوفد السوري