الفيالق الأجنبية التي لا غنى عنها بالنسبة للأسد

منذ عام 2012، أصبح النظام السوري يستمد العون والمساعدة من حلفائه من ناحية تشكيلهم قوة من المقاتلين الأجانب الذين أصبحوا ضروريين لبقائه. فوجود هؤلاء المقاتلين يُعد عاملاً أساسياً في الصراع وسيكون له تأثير كبير على الحل العسكري أو السياسي في نهاية المطاف. وفي هذه المرحلة، ربما لا يستطيع الرئيس السوري بشار الأسد أن يرسم بنفسه مسار النظام في الحرب – كدعوة روما للقبائل البربرية للدفاع عن أبوابها، فالأسد رهَن فعلياً قدرته على اتخاذ القرارات بحلفائه الإيرانيين و «حزب الله» وحلفائه العراقيين، ومن المرجح أن يعني انسحابهم تحويل دفة الحرب مرة أخرى ضد النظام. ووفقاً لرواية الأسد، فإن “الجيش العربي السوري” ينتصر في هذه الحرب ضد الثوار، ولكن الفيالق الأجنبية التي يستعين بها هي التي جعلت هذه الادعاءات ممكنة.

لماذا يستخدم النظام قوات أجنبية؟

هناك عدة عوامل أدت إلى وجود القوات الأجنبية داخل سوريا. أولاً، جعلت ديناميكيات الحرب إلى وجود حاجة إلى نشر أعداد كبيرة من كتائب المشاة الإضافية. ووفقاً للخسائر في الأرواح المُبلغ عنها، والآثار التقديرية للانشقاقات داخل الجيش، والفرار من الخدمة العسكرية، وانعدام الثقة في بعض أفراد الجيش، انخفضت القوات النظامية التابعة للنظام من أكثر من 300,000 إلى ربما أقل من 100,000 – كما أن عدداً أقل لديه الجاهزية للانخراط في العمليات القتالية. وتشير البيانات الصادرة عن “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أن حوالي 37,000 من القوات النظامية لقوا حتفهم في القتال وأن العدد الحقيقي يُحتمل أن يكون أعلى بالآلاف، فضلاً عن إصابة عدد أكبر بجروح. وقد خفضت الانشقاقات، خاصة داخل الجيش، بصورة أكبر من العناصر القتالية التي لديها جاهزية للقتال، وهو الأمر بالنسبة لانعدام الثقة في الجنود السُنَّة الذين طلب منهم النظام العلوي المساعدة في تهدئة الجماهير السنية في البلاد.

وقد تعاطى النظام مع مسألة انخفاض قواته النظامية عن طريق تكوين مجموعة متنوعة من القوات غير النظامية (مليشيات “الشبيحة”،و”اللجان الشعبية”، والميليشيات المحلية، و “ميليشيا حزب البعث”) ودمجها بعد ذلك في إطار ما يسمى بـ “قوات الدفاع الوطني”. ووفقاً للتقديرات الإسرائيلية، أدخلت دمشق بالفعل أكثر من 50,000 شخص ضمن هذه القوات وتهدف إلى أن يصل هذا العدد إلى150,000.

كما أن توافر القوات الجاهزة من حلفاء النظام كان عاملاً أيضاً. فقد شكل مقاتلو «حزب الله»، والشيعة العراقيون، والفلسطينيون، وإيران بعض القوات التي احتاجها الأسد. وكما هو الحال بالنسبة للجنود غير النظاميين التابعين للنظام، أصبحت هذه القوات الأجنبية أكثر فعالية في أدوارها العسكرية بمرور الوقت. وقد أوضحت العمليات القتالية في مناطق مثل القصير وحلب ودمشق أن النظام يحقق نجاحات أكثر في المناطق التي تتمركز بها القوات الأجنبية من المناطق التي لا تتمركز بها. فبدونها، لن يكون النظام قادراً على الأرجح على القيام بهجمات برية كبيرة في هذه المرحلة من الحرب، وسيكون لديه صعوبة في الدفاع عن بعض مناطق البلاد التي لا تزال تقبع تحت سيطرته.

تشكيلات الفيالق العسكرية الأجنبية

تشكل عناصر «حزب الله» وشيعة العراق الجماعتان الرئيسيتان للقوات الأجنبية التي تقاتل لصالح النظام، حيث توفران القوة القتالية الإضافية التي يحتاجها النظام. ويعتبر «حزب الله» المساهم الأكثر أهمية في هذه القوات بسبب اتساع نطاق أنشطته، ومع ذلك كان الدور العراقي مهماً ويبدو أنه توسع مع مرور الوقت.

وينشر «حزب الله» حوالي 4,000 مقاتل من عناصره في سوريا بشكل دائم، ويرجح أنه أرسل أعداداً أكبر من ذلك بكثير عبر البلاد – ربما قد تصل إلى 10,000 عنصر. وقد تم التعرف على مقاتلين تابعين لهذه الجماعة على جميع جبهات القتال الرئيسية، كما يلعب «حزب الله» دوراً هاماً في مجال التدريب، وتقديم المشورة، والدعم للجنود النظاميين وغير النظاميين. وكان له دور أساسي في انتصار النظام في القصير في الربيع الماضي وفي الدفاع عن دمشق وحلب في أوقات كثيرة من عام 2013 وفي عمليات هجومية في محافظة حلب وضواحي دمشق في وقت لاحق من العام المنصرم. وتبيّن خسائر «حزب الله» البشرية في هذه المعارك على انخراطه العميق فيها: فقد تم الإبلاغ بأن حوالي 300 شخص قد لقوا حتفهم (بل ربما أكثر من ذلك بكثير)، علاوة عن مئات آخرين أصيبوا بجراح.

وتوجد أيضاً أعداد كبيرة من المقاتلين الشيعة العراقيين الذين انضموا إلى عدد من التشكيلات الشيعية المختلفة وغالباً ما يقاتلون إلى جانب «حزب الله». وهؤلاء المقاتلون المتمركزون بشكل أساسي في منطقة دمشق وخاصة في ضريح السيدة زينب، بل في الضواحي الجنوبية الرئيسية وفي الغوطة الشرقية أيضاً، يوجدون الآن في ساحات قتال أخرى من بينها حلب والقلمون. وقد تم التعرف على وحدات قتالية عراقية متعددة في ساحات القتال، ولعل أكثرهم ذكراً هو “لواء أبو الفضل العباس”. ووفقاً لأحد تقارير “المرصد السوري لحقوق الإنسان” يتعرض العراقيون – مثلهم مثل «حزب الله» – لخسائر كبيرة وصلت إلى 300 قتيل.

أما الفلسطينيون فقد لعبوا دوراً أصغر بكثير في الصراع الدائر. فقد انخرط أعضاء من “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة” في القتال لصالح النظام في مخيمات اللاجئين حول دمشق، لاسيما مخيم اليرموك في الضواحي الجنوبية الذي شهد معارك ضارية بين الفريقين.

وكان الدور الإيراني منصباً في المقام الأول على لعب دور المنسق والميسر للقوات الأجنبية في سوريا؛ أما دوره المباشر في القتال فقد كان محدوداً إلى حد بعيد. وقد شجعت طهران «حزب الله» في قراره بالتدخل بشكل مباشر في الحرب – وربما أمْلَت عليه ذلك – فضلاً عن تقديمها العون والمساعدة للمقاتلين العراقيين الشيعة في مجالات التدريب والتحركات العسكرية والسلاح. وعطفاً على ذلك، فإنها تقدم المساعدة العسكرية والمشورة والخبرة الفنية للنظام، فضلاً عن نشرها متخصصين عسكريين في ميدان القتال في بعض الحالات. ورغم أنه لا يبدو أن إيران تشارك بأعداد كبيرة من القوات المقاتلة، إلا أن لديها عناصر من “قوة فيلق القدس” التابعة لـ “الحرس الثوري الإسلامي” التي تضم نخبة من المقاتلين المنخرطين في عمليات قتالية داخل سوريا، وبعضهم لقي حتفه هناك.

وأفادت بعض التقارير أن أعداداً صغيرة من المقاتلين الأجانب الآخرين ينخرطون أيضاً في صفوف النظام من بينهم الحوثيين اليمنيين، والعلويين الأتراك، و”المرتزقة” الروس، والأفغان، والباكستانيين، وحتى عناصر من كوريا الشمالية. إلا أن الأدلة على ذلك محدودة، وعلى أية حال سوف يكون تأثيرهم في القتال ضئيلاً للغاية. وعموماً، تشير التقديرات الإسرائيلية وغيرها إلى أن حوالي 10,000 مقاتل أجنبي يقاتلون حالياً لصالح النظام، رغم أن هذه الأرقام منخفضة.

الأدوار والعمليات والآثار

تكمن أهمية القوات الأجنبية في تأثيرها على مسار الحرب وليس في أعدادها. ويقوم المقاتلون المتحالفون بمجموعة واسعة من الأدوار لصالح النظام. وتفيد بعض التقارير أن العناصر التابعة لـ «حزب الله» ولإيران منخرطة في تحديد الاتجاه الاستراتيجي للحرب وإدارة العمليات القتالية – ووفقاً لمصدر أمني محلي، شكلوا مركز قيادة مشترك مع النظام.

وفي ميدان القتال، تقدم القوات الأجنبية قدرات عسكرية بالغة الأهمية لاسيما كتائب المشاة الخفيفة التي يمكن الاعتماد عليها. كما أن استعدادها للقتال كان أمراً هاماً وحاسماً لعمليات النظام الهجومية والدفاعية في محافظة حمص (القصير) وضواحي دمشق ومحافظة ومدينة حلب.

بالإضافة إلى ذلك، أفادت بعض التقارير أن عناصر من «حزب الله» وأخرى تابعة لـ “قوة فيلق القدس” الإيرانية لعبت دوراً رئيسياً في تدريب قوات النظام النظامية وغير النظامية لمجابهة الثوار والقيام بعمليات في المناطق الحضرية السورية. إن ذلك قد سمح للنظام بتصعيد الآلاف من القوات غير النظامية للتعويض عن الضحايا الذين سقطوا في وحداته العادية ولإعادة توجيه القوات النظامية للقيام بمهام أخرى لمجابهة الثوار.

وبدون وجود هذه الفيالق العسكرية الأجنبية، لكان من المحتمل أن تضعف قدرة النظام على إدارة هذه الحرب بشكل كبير وربما بشكل حاسم في عام 2013. وبدلاً من ذلك استطاعت هذه القوات السيطرة على معدلات تراجع وتقهقر النظام فضلاً عن تحسينها لحظوظه العسكرية. وقد عزز هذا التعاون الوثيق بين القوات النظامية وغير النظامية التابعة للنظام والقوات الأجنبية في النجاحات التي يحققها النظام على أرض المعركة. وقد تعرضت قوات الثوار إلى هزائم في محافظتي حمص وحلب وضواحي دمشق فضلاً عن ازدياد خسائرها القتالية. وعندما استعان النظام بقوات نيرانية وقتالية كبيرة، من بينها قوات أجنبية، لم يستطع الثوار التعاطي معها بفعالية. ورغم ما تعرضت له القوات الأجنبية من خسائر، وخاصة في صفوف «حزب الله» والعراقيين، إلا أنه يبدو من السهل حتى الآن التحكم في هذه الخسائر.

التداعيات

أفضى دور المتطرفين الإسلاميين الأجانب الذين يقاتلون في صفوف المعارضة السورية إلى حجب دور القوات الأجنبية التي تقاتل في صفوف النظام. بيد يحتمل أن يكون عدد القوات الأجنبية التي تقاتل إلى جانب الأسد أكثر من تلك التي تقاتل ضده. وينبغي تناول هذه القضية في مفاوضات “مؤتمر جنيف الدولي الثاني” التي تجري حالياً لاسيما إذا ما حاول النظام أن يركز في نقاشاته على “الإرهابيين الأجانب” الذين يتآمرون – كما يدعي النظام – مع حكومات غربية وإقليمية ضد سوريا.

لقد كان لفيالق الأسد العسكرية الأجنبية دور فعال في الحفاظ على بقاء النظام في هذه الحرب. ورغم أنهم ليسوا العامل الوحيد الذي أدى إلى ذلك – حيث إن الحشد الداخلي للنظام وتقديم المساعدات المالية والدعم الدبلوماسي والأسلحة من حلفائه قد لعبت دوراً رئيسياً أيضاً – إلا أن وجودهم مهم لبقاء النظام. وقد ساعدت القوات الأجنبية على إطالة أمد القتال وغيرت منحدر المعارك الميدانية لصالح النظام. كما أن رحيلها سيوجه صفعة قوية في وجه النظام يحتمل أن تكون أكثر ضرراً له مقارنة برحيل المقاتلين السنة الأجانب من صفوف الثوار. كما أن وجودهم يعطي أيضاً صوتاً لإيران و «حزب الله» في العمليات العسكرية والسياسية التي ستفضي إلى إنهاء الحرب في النهاية. وباختصار، لا يزال الأسد ثابتاً في منصبه، لكنه ليس ثابتاً بمفرده – ومن المرجح أنه لم يعد يتخذ القرارات لوحده أيضاً.

———————————————-

السابق
الغارديان لا توافق كيري على أن مفاوضات السلام «عسيرة»
التالي
سليمان يعزي بضحايا التفجير ويجدد الدعوة للتلاقي