مصير نظام الشام

جنيف 2

بصرف النظر عن نتائج مؤتمر “جنيف 2” وقدرته على حسم ملف الصراع السوري العنيف والدموي, فإن نقطة جوهرية تظل هي التي تهيمن على مستقبل الوضع السياسي السوري وهي مسألة مصير النظام السوري والذي دخل رموزه من دون شك في قائمة مجرمي التاريخ البشري المشهودين بجرائمهم المروعة التي لوثت السجل الإنساني, فالنظام وعلى مدار ثلاثة أعوام من عمر الثورة الشعبية لم يترك وسيلة وأسلوبا للقتل لم يمارسه أو يلجأ إليه, وقد سلط عناصره من الإرهابيين والمجرمين وأعطاهم الضوء الأخضر لأكبر عملية استباحة بشرية للدماء منذ الغزو المغولي لبلاد الشام قبل سبعة قرون, ولعل آلاف الصور المتسربة أخيرا للهولوكست السوري الجديد تجعل هولاكو يتقلب في قبره من الحسرة والألم, ومنذ أيام الثورة الأولى كان واضحا إن النظام يسير على خطى أسلافه, ومن شب على شيء شاب عليه, فهذا النظام المتعجرف بقيادته الشيطانية المغرورة يرفض أن يرى أي صورة من صور المعارضة والتصدي.
ولو كانت معارضة ناعمة وملساء وخفيفة كما حصل مثلا في قمع ربيع دمشق قبل عقد من السنين وفي إغلاق صحيفة “الدومري” وتعذيب الفنان علي فرزات صاحبها! فإذا كان النظام يخاف من الكلمات والريشة والصور, ويتعامل مع مبدعيها بأقسى الوسائل وأحطها, فكيف يتعامل إذا مع معارضة بدأت سلمية وجماهيرية وتحولت على مدار الوقت ثم استجابت للتحدي السلطوي برفع السلاح لرد الأذى عن الشعب رغم المناداة بالسلمية وهو النداء الذي رفضه النظام وأصر على الحلول الأمنية العنيفة, ولما لم تعد فروع مخابراته قادرة على ترقيع الموقف وفتق الرتق تم اللجوء الى الجيش السوري بعد أن تخلى عن شعارات الصمود والتصدي وحماية الديار ليسلط أسلحته المعدة للتوازن الستراتيجي الموعود على رؤوس الشعب السوري المنكوب وعلى المدن السورية التي تعرضت لتخريب تاريخي بعد أن أصاب التدمير الشامل حتى المناطق الأثرية أو المساجد التاريخية!, هذا من دون الحديث عن الفظائع التي ترتكبها عصابات الشبيحة من السوريين أو تلك القادمة من العصابات الطائفية اللبنانية أو العراقية أو قوات الحرس الثوري الإرهابي الإيرانية التي استباحت أرض الشام الطاهرة في سابقة لم تحدث في العهود السابقة.
حجم الجريمة السلطوية الموجهة ضد الشعب كبير جدا, وأي حديث عن مصالحة توافقية بين الشعب والنظام هو حديث خرافة لا يعتد به, لكون النظام لم يفسح مجالا أو يرسم خط عودة لأي حل تفاوضي من الممكن أن يتم اللجوء إليه, فالنظام يرى نفسه صاحب الحق الأوحد ويحتقر المعارضة ولا يعترف برأي الشعب وهو ليس على استعداد للتنازل أو الخضوع للإرادة الشعبية أو تنفيذ أي مطلب جماهيري, ويصر على اللجوء الدائم والنهائي الى الحل الأمني ولو تطلب الأمر تدمير سورية حجرا على حجر لكونه يعلم علم اليقين أن أي اتفاق سياسي ولو كان بضمانات دولية لن يحميه أو يحمي عناصره من كبار الإرهابيين والقتلة, فالموضوع ليس حصيلة حساب ثلاثة أعوام من عمر الثورة, بل أنه يفتح ملفات خمسين عاما من حكم البعث السوري والجرائم المروعة التي اقترفها النظام منذ عام 1963 ولا يزال يقترفها! وتلك حصيلة ثقيلة جدا لن يستطيع النظام الهروب من استحقاقاتها أو تجاهل تداعياتها, لقد كان الغرب المنافق والمتوحش حاسما للغاية مع طغاة من أمثال صدام حسين في العراق أو معمر القذافي في ليبيا والذين تم إسقاطهم بجهود وتدخل الولايات المتحدة أو حلف “ناتو” كما تقرر مصير أولئك القادة سلفا وتمت نهايتهم بالطريقة المعروفة التي حدثت! بينما النظام الذي يتفوق في الإجرام على نظرائه لم يتابعه أحد حتى اليوم ولم يتصور مصيره أي طرف! ولكن في ضوء التجارب التاريخية وملفات التاريخ فإن مصيره لن يكون مختلفا أو مغايرا وسيكون أشد سوادا من قطع الليل المظلم, فدماء مئات الآلاف من شهداء الحرية في الشام تظل أبد الدهر عن الثأر تستفهم!, وإذا كان الضمير الدولي قد دخل في غيبوبة وهو يتنكر لمعاناة الشعب السوري وأنين حرائره وبكاء أطفاله, فإن رجال الشام الأحرار وهم أهل البطولة والشهامة والشجاعة لهم تصورهم ورأيهم الخاص في هذا الموضوع وهو إنزال القصاص بالمجرمين أيا كانت هويتهم وعلى رأسهم زعيمهم وشيطانهم الأكبر بشار الذي لابد من خضوعه لمحكمة وطنية سورية عادلة تعاقبه بقوانينه ذاتها مع ملاحقة كل من تورط في سفك دماء السوريين داخليا وخارجيا وبعيدا عن منطق الانتقام الطائفي أو التشفي الأحمق, وهو منظر سيتحقق قريبا لتكتحل به عيون حرائر الشام, بكل تأكيد فإن الجزاء سيكون من جنس العمل… تلك سنة الله, ولن تجدوا لسنته تبديلا.

السابق
الأوروبيون في سوريا ماذا هم فاعلون لدى عودتهم إلى بلادهم؟!
التالي
الثمن الاقتصادي الباهظ