حزب الله يقرأ باهتمام شديد التصعيد الكلامي الإسرائيلي

قبل أشهر ثلاثة على وجه التحديد رصد المتابعون لمسار الوضع في الجنوب دخول جملة وقائع ومعطيات اسرائيلية جديدة على هذا الوضع تنوعت كالآتي:

– رفع منسوب الممارسات والعمليات على طول الخط الحدودي بين لبنان والأراضي المحتلة بحيث لم يعد يمر يوم الا وتسجل الجهات اللبنانية المعنية خروقاً للخط الأزرق أو نصب اعمدة تنصت أو إحداث مواقع عسكرية جديدة.
– مضاعفة المناورات والتدريبات العسكرية الاسرائيلية التي خصِّصت لمحاكاة هجوم محتمل على الأراضي اللبنانية، والتعامل مع مجموعات “حزب الله” وترسانته واحتمالات الرد من جانبه. وقد سجلت الجهات المعنية في الحزب ست مناورات اسرائيلية من هذا النوع خلال الأعوام الأربعة الماضية، وهو رقم قياسي غير مسبوق خصوصاً أنه يحتاج الى جهد استثنائي.
– عودة القيادات العسكرية الاسرائيلية الى ترداد معزوفة تضخم ترسانة الصواريخ لدى “حزب الله” الى درجة ان مسؤول الاستخبارات الاسرائيلية تحدث عن 170 الف صاروخ، وهو رقم يضاهي في رأيه ما تملكه دول في المنطقة.
عموماً عاد العقل الأمني الاسرائيلي الى نغمة إلقاء الأضواء الساطعة على قوة الحزب العسكرية وقدراته التسليحية واللوجستية على نحو ما كان قائماً قبل حرب تموز عام 2006.
وترافق ذلك كله مع التحذيرات الاسرائيلية المستمرة من وصول سلاح استراتيجي مثل الصواريخ البعيدة المدى من مخازن الجيش السوري، وذلك بعدما تراجعت حدة الحديث عن مخاطر نقل الأسلحة الكيميائية السورية الى الحزب وهو أمر استمر اشهراً.
وأتى كلام الاعلام البريطاني الأخير عن عودة المصانع الحربية السورية الى انتاجها السابق لهدفين اثنين: الاول تزويد الجيش السوري نفسه وحاجة حليف سوريا أي “حزب الله” لهذه الأسلحة حاضراً ومستقبلاً.
– اخيراً وليس آخراً عاد القادة الاسرائيليون الى اسلوب التهديد والوعيد بضرب قواعد الحزب حتى لو كانت ضمن اهداف وبيئات يقطنها مدنيون.
خلافاً لمرات وتجارب سابقة، فان دوائر القرار في الحزب بدأت تتوقف جدياً عند هذا التصعيد الكلامي المكثّف من جانب اسرائيل، الى درجة أن احد أعضاء هذه الدوائر استخدم تعبيراً فحواه انه “تطور لا يمكن الا أن يُلتفت اليه، ونتعامل معه بمبالاة واهتمام”.
وعليه فان الدوائر عينها توصلت نتيجة نقاشات وقراءات معمقة جرت منذ فترة الى جملة استنتاجات لهذه “القفزة” في الخطاب الاسرائيلي الأخير حيال الحزب، وأبرز هذه الاستنتاجات:
– أنه صار لدى القيادة العسكرية والأمنية والسياسية الاسرائيلية قراءة جديدة لمسار الوضع الميداني في الساحة السورية وما يتفرّع عنها وما يرتبط الى حد التشابك معها من ساحات ومنها الساحة اللبنانية.
فمنذ اشتعال فتيل الأحداث في الساحة السورية خلصت القيادة الاسرائيلية الى خلاصات جوهرها ان ابواب الصراع في هذه الساحة انفتحت على مصاريعها، وبالتالي فهو ممتد زمانياً وجغرافياً ولن ينتهي قبل أن يستنزف النظام في دمشق وجيشه واستطراداً حلفاؤه ومنهم بطبيعة الحال “حزب الله” خصوصاً بعدما دخل الحزب مباشرة في الميدان السوري.
ولكن المشهد الذي استقر عليه الوضع في الساحة السورية منذ اشهر قليلة أظهر وقائع ومعطيات اخرى مختلفة، لا سيما بعدما نجح النظام السوري وجيشه في الصمود اولاً ومن ثم الانتقال الى مرحلة الهجوم على المجموعات المسلحة ودحرها وقضم المناطق التي سيطرت عليها تدريجاً الى درجة أن تقدم النظام بات حدثاً استراتيجياً يعتمد عليه وليس امراً تكتيكياً عابراً خصوصاً ان محيط دمشق والغوطتين والريف الدمشقي كله وصولا الى منطقة القلمون آيلة الى أن تصير خلال ايام قليلة منطقة آمنة للنظام خالية من المجموعات المسلحة المعارضة، وفق ما تظهره عمليات التسليم والمصالحة الماضية قدماً والتي اثبتت نجاحها.
– ان القيادة الاسرائيلية تيقنت من خلال معطيات حسية ان الرهان على انهاك “حزب الله” في الميدان السوري واستنزاف جسمه المقاتل المحترف رهان غير صحيح، فالحزب وإن جاهر بارسال مقاتلين الى مناطق سورية بعينها وضمن حسابات دقيقة، الا انه كان حريصاً كل الحرص على ابقاء القطاع العسكري المتخصص برصد الاسرائيليين والاستعداد لمنازلتهم في يوم ما، بمنأى عن المواجهات في سوريا، وحريصاً كل الحرص ايضا على عدم حرفه عن مهمته الاساسية التي وجد من اجلها. وعليه كان الاستنتاج الاسرائيلي ان الحزب نجح في المزاوجة بين مهمة مستجدة اعتبرها “صراعاً وجودياً” بالنسبة اليه وهي الانخراط في الميدان السوري، وبين مهمته الأساسية التقليدية المزمنة.
– ان الحزب يجد أوجه علاقة عدة بين التصعيد الكلامي الاسرائيلي حياله وبين التصعيد الاميركي المستجد حيال مآل الوضع في الساحة السورية والذي تبدّى جليا في كلام وزير الخارجية الاميركي جون كيري في جلسة افتتاح مؤتمر جنيف 2 في مونترو، ومن ثم في كلام اميركي مماثل تلا هذه الجلسة، ورافق كل اعمال الجلسة الأولى من هذا المؤتمر، ولا سيما لجهة العودة الى الحديث عن تزويد المعارضين السوريين “المعتدلين” مزيدا من الاسلحة الاميركية، والحديث المتجدد عن امكان قيام المسلحين المعارضين بهجوم واسع النطاق على درعا بغية احتلالها، فضلاً عن سعي اميركي واضح لدعم وفد المعارضة السورية. وثمة في الدوائر عينها من يرى أن التصعيد الكلامي الاسرائيلي حيال “حزب الله” والاداء الاميركي المتجدد حيال الوضع في سوريا هما وجهان لعملة واحدة ولغاية تكاد تكون واحدة وهي ممارسة أشد انواع الضغوط وعمليات التهويل على المحور الذي يضم الفريقين لكي لا يرفع هذا المحور ثقته بنفسه لاسيما بعد انجازاته الواضحة في الميدان السوري، وفي المقابل بعد الانهيارات المتتالية للمعارضين السوريين في اكثر من جبهة.
بالتأكيد لا يتعامل “حزب الله” مع التصعيد الكلامي الاسرائيلي الأخير على اساس انه مقدمة لعمل عدواني على لبنان او ضد الحزب، فالأمر ليس بهذه البساطة، لكن الثابت ان القيادة الاسرائيلية شرعت في نهج وأداء مختلف حيال الوضع في لبنان تبددت معه رهانات كثيرة بُنيت في السابق على تطورات الميدان السوري.

 

السابق
أردوغان وإيران: أسئلة ما بعد الزيارة
التالي
الإنسحاب من سوريا