البناء: روزنامة ساعة الرمل السعوديّة بضوء أخضر أميركيّ: مزيد من الوقت للقاعدة وتعطيل جنيف

ة الأمر الواقع في لبنان، كأداة للتصعيد السعودي بوجه المقاومة وحلفائها لتغيير التوازن العام بوجه سورية وإيران، تؤدّي للتفجير الكبير، وانهيار جنيف وسقوط مسارات التفاوض، توصل الأميركيون والسعوديون إلى تفاهم على خطوط إدارة المرحلة تقوم على المعادلات التالية :

أولاً: تثبيت مبدأ الانخراط السياسي مع إيران وسورية وحزب الله، كشبكة أمان تسمح بمنع الانزلاق إلى مواجهة شاملة لا تتحمل واشنطن مخاطر المغامرة ببلوغها، بعدما كادت تقع فيها عشية التفاهم الكيماوي مع سورية، وصولاً للتفاهم النووي مع إيران، وجعل منصّات التفاوض القائمة حول الملف النووي الإيراني مع الدول الكبرى وحول سورية في جنيف وحول لبنان من خلال مشاورات الحكومة الجامعة، الخطّ الخلفي الذي يمكن العودة إليه في كل لحظة تؤدي موجات التصعيد والمواجهة إلى مخاطر الانفجار والانهيار، فهي استراتيجية الخروج من خطر المواجهة الشاملة، وليست استراتيجة الدخول إلى الحلول السياسية .

ثانياً: مقابل التزام السعودية بتسهيل توليد وحماية شبكات الأمان هذه، ومشاركتها فيها بقوة وتسهيل مشاركة الائتلاف في مؤتمر جنيف وتسهيل مشاركة قوى الرابع عشر من آذار في مشاورات الحكومة الجامعة في لبنان، تلتزم واشنطن بتسهيل إدارة السعودية للمراحل الأولى من التفاوض بسقوف عالية تستثمر ما بين أيديها من أوراق برضا ومساندة من واشنطن، من دون تعريض منصّات التفاوض للانهيار، لكن من دون توفير شروط نجاحها بصياغة الحلول السياسية، فواشنطن بحاجة لشهور عدة للإستدارة نحو الحلول، وهي شهور تحتاجها السعودية للمزيد من الإنهاك والاستنزاف لحلف إيران سورية وحزب الله، واختبار إمكان خلق توازنات جديدة، كان الخوف من أن تؤدي دون شبكة الأمان التي يوفّرها التفاوض إلى مواجهة مفتوحة، لا يملك لا الأميركي ولا السعودي القدرة على التعامل مع تداعياتها ونتائجها الخطرة إذا أدت إلى المواجهة المفتوحة .

ثالثاً: من ضمن الضوء الأخضر الأميركي لمنح شهور التصعيد السعودي المحسوب تحت سقف التفاوض، تنتقل إمرة التوقيت لساعة الرمل السعودية، وتحتفظ واشنطن بحق استخدام الشارات الضوئية، فلها تحويل الضوء الأخضر الممنوح حالياً إلى ضوء أصفر أو أحمر، وتلتزم السعودية بمقتضيات كل حالة، ووفقاً لساعة الرمل السعودية يمنح المزيد من الوقت للقاعدة في لبنان وسورية والعراق، بعدما فشل الرهان على الجبهة الإسلامية في إنتاج توازن بديل يؤهلها لدخول التفاوض في جنيف، وفشل الرهان على العشائر مثلها في تقديم توازن يغني في العراق عن وضع الأوراق كلها عند الحكومة العراقية، فيعاد تشغيل وتزييت محركات الفريق السعودي الذي يتولى إدارة التعاون والتنسيق مع القاعدة، لتنظيم استخدام ما لديها من أوراق ضغط وتأثير وتقديم المزيد من التغطية لحضورها والتسهيلات لعملياتها .

ينسجم مع هذه المعطيات ويؤكدها ما نشهدة بالعودة في لبنان للفورة “المستقبلية” دفاعاً علنياً عن القاعدة، خصوصاً في الشمال، وما تتضمنه من حملة تركيز في الهجوم على الجيش بصورة غير مسبوقة، بمضمونها ومفرداتها وأهدافها، وصولاً للتبني المباشر لرموز المجموعات الإرهابية والدفاع عنها، كما ينسجم مع هذه المعطيات التعطيل المبرمج والمتتالي لكل محاولات التقدم في مساعي التفاوض على مسارات توليد الحكومة الجامعة، وجعل تمثيل التيار الوطني الحر إطاراً وعنواناً لهذا التعطيل، بضرب عصفورين بحجر واحد، فهنا يتم التعطيل بمكان يسهم في صناعة توازانات تضعف تمثيل التيار الوطني الحر في الاستحقاق الرئاسي المقبل، ومن جهة لا يخشى من هذا التعطيل أن يخلق مناخات تفجير شامل، لأنه يجري خارج صحن الإستقطاب الشيعي ـ السنّي المباشر القابل للإشتعال، حتى لو أدى ذلك عبر وقوف حزب الله كلياً إلى جانب التيار الوطني الحر، إلى العودة لجو التوتر السياسي .

كذلك ينسجم مع هذه المعطيات ويؤكّدها ما شهده مؤتمر جنيف من قطع الطريق على أي تفاهمات، علماً أن السفير الأميركي روبرت فورد كان يتولى مباشرة إدارة الوفد الممثل للائتلاف، وليس صحيحا أن أي تفاهم كان يعني انتصاراً للدولة السورية، فالوثيقتان المقدمتان من الوفد السوري الرسمي كان ممكناً التعامل معهما بجدية، والدخول بالنقاش عليهما كمسوّدات يجري تعديلها وتنقيحها والإضافة إليها، للخروج ببيانين سياسيين لن يعنيا الوصول للإتفاق، لكنهما يعنيان كسر الجليد ومنع الفشل ووضع أسس تفاهمات مبدئية تغيّر المناخات المتوترة، وتعكس نيّات إيجابية ورغبة في إنجاح المؤتمر، ومن يقرأ نصوص البيانين سيعلم أن صياغتهما تمت بنية البحث عن المشتركات، ولم يكن من باب الصدفة أن يستعير وفد الإئتلاف و”تيار المستقبل” التعابير ذاتها بالدفاع عن القاعدة والإرهاب وتبرير خطابيهما وتعميمه.

هكذا فشل جنيف الذي نعاه رئيس الوفد السوري الوزير وليد المعلم، وهكذا فشلت الحكومة الجامعة دون أن ينعاها الرئيس المكلّف بتشكيلها تمام سلام، وهكذا عادت القاعدة إلى الواجهة العسكرية والأمنية في لبنان وسورية والعراق .

السابق
السفير: واشنطن تستعجل التأليف وتنتظر البيان الوزاري
التالي
علوش: المحامون سيردون على موضوع نقص الأدلة في المحكمة الدولية