سلفيّون يريدون اغتيال ميقاتي!

نجيب ميقاتي

للمرة الأولى، يرد اسم الرئيس نجيب ميقاتي على لائحة المهددين بالاغتيال. قوى الأمن الداخلي عمّمت المعلومات، طالبة اتخاذ إجراءات احترازية. بعض الأمنيين يقللون من أهمية المعلومات، لكن بعضهم الآخر يأخذها على محمل الجد، ربطاً بتوسع نفوذ «القاعدة» في لبنان، وتحديداً في الشمال والبقاع

 هل وُضِع الرئيس نجيب ميقاتي على لائحة الاغتيال؟ ليس السؤال نابعاً من فراغ. فقد جرى خلال اليومين الماضيين تداول وثيقة امنية موجهة من رئيس سرية الحرس الحكومي إلى ضباط السرية وقطعاتها، يقول فيها:

«توافرت معلومات ان شحنة ناسفة وضعت في سيارة جيب كيا شمباني يقودها شخص سوري انتحاري يدعى ابو العدنان من كتائب خالد بن الوليد، الجبهة الاسلامية. وهذه السيارة ستستهدف شخصية سياسية رفيعة في طرابلس، او بيروت، وقد تحركت باتجاه الهدف، كما توافرت معلومات عن سيارة هوندا سوداء مفخخه ستنفجر في طرابلس قرب منزل الشخصية المذكوره».

في بداية انتشار صورة الوثيقة، كان الظن انها واحدة من عشرات الوثائق التي تعممها الاجهزة الامنية على قطعاتها، بعد ورودها من مخبرين او من «مصادر تقنية» كالتنصت على الاتصالات الهاتفية والالكترونية، لكن التدقيق في الوثيقة أظهر انها صادرة عن المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، وان المعلومة الأصلية تتحدّث عن ان الشخصية المستهدفة ليست سوى الرئيس نجيب ميقاتي. وبالفعل، تبيّن ان سرية الحرس الحكومي ضاعفت من اجراءاتها الأمنية خلال اليومين الماضيين في محيط منزل ميقاتي في طرابلس، ومكاتبه ومنازل أفراد عائلته في بيروت وطرابلس.
مسؤولون امنيون خففوا من أهمية الوثيقة وخطورة المعلومات الموجودة فيها قائلين: «نحن نعرف ان لا قيمة لها». لماذا إذاً جرى تعميمها؟ يجيب مسؤول أمني: «هل يتحمّل احدنا اللعب في معلومة كهذه؟ نعممها على الأقل من باب رفع المسؤولية واتخاذ اجراءات احترازية».
اللافت في هذه المعلومة هو تحديدها ان الجهة التي تنوي استهداف ميقاتي ليست سوى «الجبهة الإسلامية»، وهي الجماعة السورية المعارضة، التي تشكلت قبل نحو شهرين من اجتماع عدد من «الألوية» و«الحركات» و«الجيوش» المعارضة للحكومة السورية. وعماد هذه «الجبهة» مقاتلون ورجال دين سلفيون متعددو المشارب السياسية. منهم من يرتبط بتركيا، ومنهم من يتلقى دعماً قطرياً، لكن الغالب على قواتهم الرئيسية اتصالهم الوثيق بالاستخبارات السعودية.
وتوقفت مصادر سياسية عند هذه المعلومات، وتزامنها مع حملة تحريض يقودها بعض أركان تيار المستقبل في الشمال ضد ميقاتي، ومع تحريض سعودي عليه أيضاً، برغم استقالته من رئاسة الحكومة قبل اكثر من 10 أشهر، تنفيذاً لملطلب سعودي بإخراج حزب الله من الحكومة. وتحدّثت مصادر عن كون السعودية لا تزال تقفل الأبواب بوجه رئيس حكومة تصريف الأعمال.
التحريض في الشمال لا يقتصر على ميقاتي، إذ اشتكى رجال دين معروفون في طرابلس من تلقيهم تهديدات بالقتل وصلتهم عبر سلفيين متشددين يدورون في فلك تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش).
ويقول رجال دين وامنيون إن خطورة هذه التهديدات تكمن في كونها اتت بعدما صارت الأرضية مهيأة لعمل التنظيمات التي تدور في فلك «القاعدة» بحرّية في الشمال والبقاع. ففي بعض المناطق، ثمة ظهور مسلح، علني، ليلاً ونهاراً، لمجموعات مرتبطة بـ «القاعدة»، بفرعيه: «جبهة النصرة»، و«داعش». يحصي الأمنيون عشرات الأمثلة، في طرابلس والمناطق المحيطة بها وعكار وفي عرسال. وهذه المناطق، وبرغم النفوذ الكبير لتيار «المستقبل» فيها، باتت ميدانياً في قبضة التنظيمات المتشددة، وبينها تلك القريبة من «القاعدة». فعلى سبيل المثال، خفتت سطوة «المستقبل» الميدانية في طرابلس، وصار المحسوبون على التيار يتحدّثون بلغة هي أقرب إلى ادبيات القاعديين منها إلى شعارات المستقبل الإعلامية، وهو ما حدث امس في المؤتمر الذي عقد في منزل النائب المستقبلي خالد ضاهر. وفي عرسال أيضاً، لم يعد رئيس البلدية علي الحجيري والمحسوبون على«المستقبل» ممسكين بالأرض أمنياً، إذ تلاشى حضورهم لمصلحة المجموعات التي تدور في فلك «جبهة النصرة» و«داعش».
وتقول مصادر امنية واخرى إسلامية إن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» اتخذ قرار التمدّد إلى لبنان. وتعزّز هذا القرار بعد الخلافات التي نشبت وتحوّلت صراعاً على «ساحة الجهاد» في الشام بين أمير «الدولة» أبو بكر البغدادي من جهة، وكل من زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري، وأمير «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني من جهة أخرى، لكنّ التريّث كان في توقيت الإعلان. وقد وردت على حساب «ويكي بغدادي» على «تويتر»، الذي يسرّب أسرار «داعش» منذ أسابيع، معلومات عن توجّه عام لدى البغدادي لتوسيع امتداده وتحصيل البيعة من مختلف أنحاء العالم. إزاء ذلك، كانت القبلة الأولى لبنان بعد العراق والشام.
وقد شجّع إسراع إعلان التمدد، نجاح جماعة القاعدة في تنفيذ عمليات انتحارية وتفجيرية في البقاع وبيروت ضد أهداف مدنية بمعظمها، لكن القاعديين يدّعون أنها تابعة لحزب الله، فضلاً عن اعتبار هذه المجموعات أنّ مجرّد «فتح معركة مع حزب الله في لبنان»، سيشدّ عصب الجهاديين.
في موازاة ذلك، قصدت مجموعات لبنانية تحمل الفكر السلفي سوريا في محاولة منها لأخذ الموافقة على البيعة من أجل قيادة مشروع جهادي في لبنان. وتردد أن مجموعة يقودها شاب شمالي يُدعى «أ. م.» قصدت سوريا وتمكنت من الحصول على البيعة من تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، ثم عادت إلى طرابلس.

«رويترز»: لبنان تعويض عن سوريا

وكانت وكالة «رويترز» قد نشرت تحقيقاً ليل اول من امس نقلت فيه معلومات عن مصادر قريبة من تنظيم «القاعدة»، تقول إنه «بعد الانتكاسات التي منيت بها وحداته في سوريا والعراق، يعمل ببطء، لكن بجد على كسب نفوذ في لبنان، يساعده على ذلك العنف الطائفي المتزايد هناك، وحالة الاضطراب الناتجة عن الحرب الاهلية السورية».
وأوضحت المصادر أن التنظيم يعمل «الآن على التوسع في لبنان، وخصوصا في مدينة طرابلس». وقالت عدة مصادر من جماعات المعارضة السورية المسلحة للوكالة إن «الجماعة في المراحل الاخيرة من ترسيخ وجودها في شمال لبنان». وأشار قائد محلي في سوريا قريب من قادة «القاعدة» إلى أن «أبو سياف الانصاري» الذي يوصف بانه قائد التنظيم في لبنان، حصل على مباركة مشروطة من زعيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» ابو بكر البغدادي لاعلان وجود القاعدة في لبنان.
وأضاف: «سيصدر بيان في الايام المقبلة، وسيعرف العالم عندها ما سيحدث في لبنان، وسيثلج صدور المؤمنين إن شاء الله».
ونقلت الوكالة عن بعض السكان قولهم «ان القاعدة يملك بالفعل زمام الأمور في بعض أحياء طرابلس ومناطق محافظة عكار في الشمال وسهل البقاع».
واختلفت مصادر «رويترز» حول مدى قوة الجماعة في لبنان في هذه المرحلة. فمنهم من قال إنها أقامت بالفعل قاعدتها وستشن مزيدا من الهجمات في البلاد. ومنهم من يرى انها ما زالت في مراحل الإعداد الأخيرة.
وقال قائد في المعارضة السورية للوكالة المذكورة: «بحسب علمنا لقد أسسوا وجودهم بنسبة 80 في المئة لا بالكامل. لم ينتهوا بعد من إحكام تنظيمهم أو ربط الخلايا بعضها ببعض. ما زالوا في عملية اعادة تجميع صفوفهم هذا ما نعرفه».
ونقلت رويترز عن مصادر في طرابلس قولها إن نقاشاً دار على مدى أسابيع بين «الجهاديين» بشأن الخروج الى العلن. وطلبت منهم القيادة انتظار موافقة البغدادي.
ويشير التسجيل الصوتي الذي بث يوم السبت الماضي على موقع يوتيوب باسم «أبو سياف الأنصاري»، إلى ان الموافقة منحت.
وقال قائد سوري آخر يعيش في تركيا: «الشمال (في لبنان) ارض خصبة لهذا». وتوقع تصاعد العنف في لبنان، لكنه قال انه ما زال من غير المرجح اندلاع صراع شامل في الوقت الراهن.

السابق
منصور: الفراغ المؤقت أفضل من حكومة غير متفق عليها وقابلة للإنهيار
التالي
خطة حزب الله لحماية الضاحية والحدود اللبنانية السورية خلال أسابيع‎