صور أسيرة الإشاعات رغم عراقة التعايش

صور
صور عصيّة على الفتنة المؤامرة الطائفيّة والمذهبية ولن يخرج منها انتحاري يفجّر نفسه وأهله، وستبقى حتما ساحة للتعايش السلمي. فرغم تعدّد طوائف سكانها الا ان تاريخا عريقا من روابط أسرية واجتماعية ساد بين أهلها ولا يزال.

الثلاثاء الفائت تناقلت ألسنة الناس في صور خبراً مفاده أنّ سيارة مفخخة دخلت المدينة وأنه تجري ملاحقتها من قبل القوى الأمنية لتوقيفها. وعلى نسق ما حصل في ضاحية بيروت الجنوبية، في منطقة الغبيري الأسبوع الفائت، حين أوقفت الشرطة والمواطنون مشتبها به على أنّه سلفي، بسبب هيئته، ليتبين لاحقاً أنه حسين شرف الدين أحد مغني الراب المعروفين، فإن أمراً مماثلاً حصل في صور في السوق القديم حيث أوقفت الأجهزة الأمنية أحد الأشخاص يرتدي قفصانا، طويل اللحية وحليق الرأس والشارب، ليتبين أنه أحد العابرين الأبرياء ولا دخل له بأي عمل إرهابي أو تفجير انتحاري.

 حمى الإشاعات هذه والمرفق معها تهديدات من قبل تنظيمي”داعش والنصرة” وغيرهما من فروع تنظيم القاعدة للمناطق اللبنانيّة الشيعية الحاضنة لبيئة حزب الله الذي يقاتل فصائل المعارضه في سوريا، أثار الكثير من المخاوف خاصّة عقب سلسلة التفجيرات الانتحارية التي قامت بها هذان التنظيمان السلفيان وحلفائهما من الجهاديين ذوي الامتداد السوري، فتلك التنظيمات المتطرفة استطاعت أن تجنّد عدداً من المنتحرين الذين اعتنقوا العقيدة الدينية التكفيرية، فنفذوا تلك التفجيرات البربريّة بحق وقتلوا أخوتهم في الدين والوطن والإنسانية.

 هذه الشطحات الدينية المتطرّفة “لن تجد طريقها إلى نفوس أبناء صور كما يؤكد الأستاذ عون الأمين الأديب والباحث التاريخي. وهو يستند في قولته هذه على تاريخ عريق من التعايش عمره مئات السنين بين العائلات الشيعية والسنّية والمسيحية المنصهرة في علاقات اجتماعية وروابط أسرية عميقة: “إذ أن التزاوج والمصاهرة بين تلك العائلات على اختلاف مذاهبها وعقائدها الدينية كان وما زال على نفس الوتيرة وهو ما فرض ويفرض روحاً من الإلفة والمودّة بين أهلها لا يمكن أن يتزعزع مهما بلغ التعصب المذهبي من قوّة” على حدّ قول الأمين.

ويتابع الأمين في وصفه الحالة الراهنة بين الشرائح الاجتماعية لمدينة صور: “لقد حدث نزوح طائفي في كل المناطق اللبنانية منذ اندلاع الحرب الأهلية منتصف السبعينات وحتى اليوم، ما عدا صور ما زالت كما هي ولا يوجد منازل فارغة من أهلها لا في حارة المسيحيين الذين نشأوا صيادين وامتلكوا وما زالوا يمتلكون أغلبية مراكب الصيد، وكذلك بالنسبة للطائفة السنية الكريمة الممثلة بالبلدية تمثيلاً لا بأس به وهم يمتهنون التجارة في المدينة القديمة، كانوا وما زالوا يشكلون ربع سكان المدينة، وهم من عائلات جودي ومحفوظ، وقدادو وبواب والرفاعي وغيرهم”.

الخلاصة أن صور عصيّة على الفتنة والمؤامرة الطائفيّة والمذهبية، ولن يخرج منها انتحاري يفجّر أهله وستبقى “درّة البحر المتوسط” التي نشرت االأديان الفينيقية المتسامحة وأسطورتي قدموس وأوروبا الخالدتين، وستبقى كما وصف جعرافيتها الشاعر شوقي بزيع “طعنة في جسد البحر”، ستبقى حتما ساحة للتعايش وطعنة في جسد وحش التعصب الدموري القادم من بلاد الشام.

السابق
الفايسبوك… الذي زاد من عزلة المرأة وقيودها
التالي
مشروع حلاّ دعايته أكبر منه (1)