داعش والدواعش: ابتعدوا عن لبنان

حدّدت المجتمعات الإسلامية نفسها على مدى القرون الماضية على أنها “أمة وسط”، تدين الخوارج، وترفض البغاة، تعتبر الدولة هي الإمامة، الموضوعة حسب الماوردي “لحراسة الدين وسياسة الدنيا”؛ وتعتبر اليقين غلبة الظن كما قال كبار فقهائها الذين يعتبرون الأحكام “أرجحيات” لا استنتاجات مؤكدة؛ تخضع هذه المجتمعات للحكّام، لا لأنهم طغاة وحسب، بل لأنها تعتبرهم بمثابة “الإمام” في تولي السلطة؛ تخضع للقوانين الوضعية باعتبار أن الثواب سوف تناله في العبادات؛ فالدين أتممه الرسول في خطبة الوداع، أما التجديد فهو في السياسة. الدين معطى، لا تجديد فيه، مكتمل، ومَن يريد خدمة المسلمين فعليه بالتجديد السياسي والعلمي والثقافي والاقتصادي. وكل تجديد في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة. على هذا الأساس تشكّل “داعش” وأخواتها والقاعدة وأخواتها خطراً على الدين والمجتمع.
أنتج الإخوان المسلمون الفكر التكفيري الذي انطلق مع سيد قطب، في حين انتهج عبد الناصر طريق التنمية والجهاد ضد إسرائيل. قاتل عبد الناصر أسلاف القاعدة وداعش، وتحالفوا هم مع أعداء الأمة، من الدول المجاورة والبعيدة التابعة للإمبريالية، في حين تحالف هو مع الدول المجاورة والبعيدة المعادية للإمبريالية.
تنتج الثورة العربية، الآن، دولاً تجسّد إرادة الشعب؛ كما تواجه النظام العربي الاستبدادي وتواجه الثورة المضادة؛ ويتحالف الإخوان المسلمون والتنظيمات الإسلاموية التي فرّخوها، من داعش والنصرة وأخواتهما، مع أعداء الشعب وأنصار الثورة المضادة والأنظمة القديمة.
خلال عقود الاستبداد، كان الطغاة يعرفون أنهم فاقدو الشرعية التي لا يستحقها حاكم إلا برضا الناس. وضع الطغاة ثنائية بقائهم مع الاستقرار أو الثورة مع خصومهم من دعاة نظام جديد. موّه الإخوان المسلمون ودواعشهم وقاعداتهم مواقفهم بالتحالف مع الطغاة الذين حفظوا لهم مقاعد برلمانية وسمحوا لدعاتهم دون غيرهم بالعمل بين الناس، وما انضموا إلى الثورات العربية إلا لخطفها من أصحابها وحرفها عن طريقها الشعبي الثوري.
تحالف طغاة الاستبداد مع الإمبريالية وتاجروا بالاستقرار ورعاية الإسلام السياسي واستخدموا “إرهاب المتطرفين” الذي مارسه أفراخ الإخوان المسلمين، من داعش والقاعدة وأخواتهما، ووضعوا كل ذلك في خدمة الإمبريالية. وعندما حدثت الثورة العربية وضعوا كل هؤلاء في خدمة الثورة المضادة؛ وأدرجوهم في خدمة الإرهاب الذي تشن الإمبريالية حرباً عالمية ضده، وأدرجوا حرب الإرهاب في مواجهة شعوبنا وقضاياها. هم حلفاء الإمبريالية موضوعياً وذاتياً.
ترفض داعش وأخواتها مقولة “الشعب يريد”. بنظرهم الشعب لا يريد، هو فقط ينصاع للشريعة، والشريعة اختصاصهم هم، وفتاواهم هي ما يريده الله. فكأنهم وضعوا أنفسهم بمثابة الله في إدارة شؤون العباد. ادعوا لأنفسهم سلطة تفوق ما ادعاه الطغاة لأنفسهم.
أما في لبنان الذي أذاعوا بياناً بشأن ضمه إلى “دولة العراق والشام”، فإنهم أخطأوا بما يفوق جرائمهم السابقة. لدينا في لبنان دولة ذات حدود جغرافية واضحة ونظم إدارية. يعرف مجتمعنا نواقص هذه الدولة ويسعى للإصلاح ولسد الشواغر. ويعرف مجتمعنا أن كل دولة بطبيعتها ظالمة، وأن الدولة الدينية ستكون هي الأظلم. لذلك يفضّل مجتمعنا الحفاظ على ما هو موجود منها وإصلاح ما يمكن استناداً إلى القوانين، بتراكم الإصلاحات الجزئية على مدى الزمن. لا مكان للثورة في لبنان، مهما ادعى البعض، بسبب الانقسامات الطائفية. علينا أن نراعي حقيقة أنه لا يمكن أن تنتصر طائفة على الأخريات مهما كان فائض القوة لديها. تنتصر الطائفة على نفسها لا على الأخريات. تحدث الثورة ضمن الطائفة، ولا يمكن أن تصدّر هي للطوائف الأخرى غير الحرب الأهلية.
يكفينا ما نحن فيه. لا نريد إضافة عنصر جديد على المنافسة الأهلية الطائفية الباردة وتحويلها إلى حرب ساخنة. وهذا ما سوف يحدث عندما تدخل داعش وأخواتها إلى لبنان. تغيير قواعد اللعبة لا يؤدي إلى غير ذلك. مشاكلنا لا تحل بالفتاوى خاصة ما يصدر عن غير المؤهلين. وداعش لا تتمتع بالكفاءات لذلك، فكيف يتنطّحون لشأن الدولة؟
نأى لبنان عن الحرب الأهلية، وخيراً فعل. لكنه لم يحسن فعل ذلك، وتدفق اللبنانيون، على اختلافاتهم، إلى المشاركة في الحرب الأهلية السورية. وسيكون الخطر الأكبر حين تتدفق هذه الحرب إلى لبنان.
دعونا وشأننا. أهل لبنان أدرى بشعابه، ولو كان ذلك نسبياً.

السابق
أوباما وخطاب الارتباك والإرباك!
التالي
آذاريون على لائحة الانتظار: «وزير… لا مش وزير»!