التفاؤل والتشاؤم وبينهما النكسة

انتهت الثورة في مصر. عاد العسكر الى الحكم وسيجدد الدولة الأمنية التي قام الشباب ضدها. ستُستأنف الممارسات ذاتها التي طبعت عهود عبد الناصر والسادات ومبارك. أما المشكلات الهائلة في مجالات الاقتصاد والتعليم والتنمية والتفاوت الاجتماعي فستتفاقم ولن يملك النظام العسكري أي قدرة على علاجها.
هذا موجز كلام المتشائمين من مجرى الأحداث في مصر. ويضيفون أن النسخة المنقحة من المباركية التي يقدمها المشير عبدالفتاح السيسي ستزيد من تهميش مصر وتضاؤل دورها الخارجي ما سيسهل تطويق المناخات والانجازات التي حققتها الثورات العربية في الاعوام الثلاثة الماضية ويبرر الاقتتال على اساس الهوية الدينية والقبلية، على ما نشهد في اليمن وليبيا.
للمتفائلين وجهة نظر مغايرة تقول إن ما جرى يمثل حقاً نكسة كبيرة للثورة، لكن من الضروري النظر الى الأمور من زاوية أعرض تأخذ في الاعتبار استحالة اعادة عقارب الساعة الى الوراء وحقيقة ان المصريين اسقطوا مرة والى الأبد نظام الاستبداد بشكليه، الموروث من العهد الناصري وذلك الذي حاول «الأخوان المسلمون» بناءه.
ويرى المتفائلون ان التحالف بين الجيش و «الفلول» تمكن من مصادرة الموجة الثانية من الثورة في 30 حزيران (يونيو) الماضي بسبب جملة من الظروف والهواجس منها ما يتعلق بخطر العنف الأصولي، لكن ذلك لا يجب أن يعني أن التمدد الحالي لقوى الثورة المضادة قد حسم الموقف لمصلحته وأن المصريين الذين ذاقوا الأمرين من حكم مبارك ورفضوا «الإخوان» سيقبلون بعودة الطغيان بذريعة حفظ الامن والاستقرار. فهم يدركون ان المطالب العميقة لثورة 25 يناير لم تتحق وأن الاعمال الارهابية التي تضرب شوارعهم يمكن ان ترجئ بعض الوقت سعيهم الى العدالة الاجتماعية ودولة القانون والمواطنة، لكن الوقت هذا لن يطول قبل ان يطور المصريون أساليب اعتراض جديدة على أي مظهر من استعادة زمن ولّى ومضى.
في الوسع تلفيق رأي «متشائل» يقول ان وجهتي النظر السابقتين تنطويان على الصواب وأن علينا الانتظار ورؤية موازين القوى كيف ستميل وفي أي اتجاه، بالتالي، ستمضي مصر وثورتها الواقفتان اليوم عند منعطف مصيري…الخ.
نستطيع هنا الاستعانة بكلمة «نكسة» من المتفائلين لوضعها في سياق التصور العام للتاريخ الذي لا تتوقف مسيرته نحو الحرية والعدالة وجمهورية المُثل. فنكسة الثورة المصرية اليوم، يُنظر اليها مثلما نُظِرَ الى «نكسة» العام 1967، مجرد خطوة ناقصة الى الوراء لا تلبث الارادات الطيبة متضافرة مع الحتمية التاريخية ان تعيدها الى المسار الصحيح. والحال ان هزيمة يونيو غيرت كل الوقائع في المنطقة تغييراً لم تفلح كل محاولات لجمه بعدما انهارت «اليوتوبيا» الناصرية. وجاءت حرب 1973 لتكرس المنحى الجديد في المنطقة رغم محاولات تصويرها كحرب قادها جمال عبدالناصر واستولى السادات عليها وخان تضحياتها. فالمهم ان الواقع نبذ «اليوتوبيا».
عليه، لا مفر من الاعتراف ان ما يجري في مصر من عنف ومن استعداد لممارسة المزيد منه، يحول دون العودة الى ما قبل 30 يونيو 2013 وان الاحداث تعمل على تعرية القوى الاجتماعية ورسم خطوط تماسها. تبخرت الاحلام الرومانسية الثورية وبتنا امام لوحة كالحة من المعوقات والاستعصاءات الهيكلية في الاجتماع والسلطة وأجهزة العنف الرسمي والاقتصاد وانسداد الافق امام الاجيال الشابة. انقلبت عربة الثورة وخرجت عن طريقها لتجد نفسها في طريق مختلف تمام الاختلاف.

السابق
«الفرنسية الأولى» السابقة تروي ‘ليلة الخيانة’
التالي
‘المستقبل’: ما هو عرض أبو فاعور لعون؟