توافقٌ لن يُسقِطه تعنّتٌ أو «دلال»…

يقول متابعون لملف التأليف الحكومي إنّ التوافق الخليجي – الإيراني – الدولي على دفع الأفرقاء اللبنانيين الى الاتفاق على تأليف حكومة جديدة طال انتظارها، ومن ثم انتخاب رئيس جمهورية جديد، إنّما بُني على أساس أنّ هؤلاء الأفرقاء ليسوا جاهزين الآن لـ”الحلّ التاريخي” المنشود، ليس لعدم قدرتهم على إنتاج هذا الحلّ فقط، وإنّما في انتظار توافر الحلول للأزمات التي تعيشها المنطقة، وفي مقدّمها الأزمة السورية التي تضغط يومياً على لبنان بتداعياتها المتعدّدة سياسيّاً وأمنيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً وما إلى ذلك.

ولذلك، يؤكّد هؤلاء المتابعون، أنّ هذا التوافق الاقليمي لا يسقطه تعنُّت هذا الفريق السياسي أو ذاك بتمسّكه بهذه الحقيبة الوزارية أو تلك، ولكنّ هذا التعنّت هدفه تحسين الشروط لنَيل الحصة التي يطمح إليها، لأنّ للتعنُّت حدوداً، وكذلك لـ”الدلال” حدوداً لا يمكن المتعنّت أو “المُتَدلل” تخطّيها، بما يعرّض التوافق الإقليمي للانهيار، وإذا كان “التيار الوطني الحر” “يتدلّل”، حسب قول البعض، أمام حلفائه، لكي يدفعهم إلى الوقوف عند خاطره، فإنّ هؤلاء لا يمكنهم الوقوف طويلاً عند هذا الخاطر وإلى الحدود التي تُعرِّض التوافق الإقليمي – الدولي للانهيار.

وإذا كان “التيار” يرفض التوافق الحاصل على “المداورة الشاملة” في الحقائب الوزارية بين فريقي 8 و14 آذار عموماً، وبين 8 آذار وتيار “المستقبل” وبعض حلفائه في 14 آذار تحديداً، فإنّ حلفاء “التيار” يسألون عمّا سيقدّمه له الرئيس المكلف تمّام سلام المتمسّك جداً بهذه المداورة منذ تكليفه تأليف الحكومة.

وفي هذا الصدد يقول أحد الساسة البارزين في فريق 8 آذار إنّ سلام لم يفصح بعد عمّا سيقدّمه لـ”التيار الوطني الحر” وتكتّل التغيير والإصلاح من حقائب وزارية، إلى درجة اضطرّ معها هذا الفريق إلى الطلب من الوزير وائل ابو فاعور المعاون السياسي لرئيس “جبهة النضال الوطني” النائب وليد جنبلاط أن يفاتح سلام بهذا الأمر، ولكنّه لم يحصل على جواب”.

ويعتقد هذا القطب أنّ حلحلة عقدة المداورة مرهونة بأن يقدّم الرئيس المكلف عروضاً للمعترضين عليها حتى يمكن لحلفاء “التيار الوطني الحر” التحرّك في اتّجاه الرابية لتدوير الزوايا والوصول الى التفاهم الذي يُخرج الحكومة من المخاض.

وفي أيّ حال، يقول مراقبون إنّ التفاهم الإقليمي الدولي على تأليف الحكومة وإنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده، والذي استجاب له جميع الأطراف الداخليين، لا يمكن أن تنسفه أو تغيّره رغبات هذه الجهة أو تلك في هذه الحقيبة الوزارية أو تلك مهما طال التمسك بها وطالت معها وقفة الحلفاء عند خاطر المعترضين على المداورة وتوزيع الحقائب.

وفي اعتقاد هؤلاء أنّ الحكومة ستولد في وقت ليس ببعيد، على رغم اعتراض “التيار الوطني الحر” لأنّ الجميع في الداخل باتوا يريدون هذه الحكومة بإلحاح، خصوصاً إذا صحّت المعلومات الديبلوماسية وغير الديبلوماسية التي تتحدّث عن وجود رغبة اقليمية ـ دولية ايضاً بإجراء انتخابات رئاسية في مطالع مهلة الستين يوماً الدستورية لإنتخاب الرئيس العتيد، وهي المهلة التي تسبق انتهاء ولاية رئيس الجمهورية الحالي وتبدأ في 25 آذار وتنتهي في 25 أيار المقبلين.

ويقول متابعون للشأن الرئاسي إنّ تأليف الحكومة قبل الوصول إلى 25 آذار المقبل، من شأنه إطلاق معركة التوافق على الرئيس العتيد، وليس مصادفة أن يؤكّد رئيس مجلس النواب نبيه بري في الأمس أنّ “من يريد الانتخابات الرئاسية عليه أن يسعى الى الحكومة السياسية الجامعة”.

وهذا الكلام يعكس في مطاويه أنّ هذه الحكومة عندما تؤلّف ستكون نتاج توافق سياسيّ يمكن البناء عليه للتوافق على شخص رئيس الجمهورية الجديد الذي تفرض المرحلة أن تكون أولى مواصفاته تجربة سياسية واسعة ومواقف وطنية عابرة للنزاعات الطائفية والمذهبية تؤسّس لحوار وطني حقيقي تستعيد معه كلّ المكوّنات اللبنانية دورها التأسيسي في البنيان الوطني وفي المحيط العربي، وتخلّص البلد من مخاطر الفتنة وتعزّز مقاومته للتهديدات والأطماع الاسرائيلية، وتجعله مشاركاً في حماية العروبة المستهدفة اليوم في عدد من الدول العربية تحت عناوين الفتن المذهبية والطائفية.

السابق
توقيف 62 مطلوباً بجرائم تتعلق بالمخدرات والسرقة
التالي
حين ينتفض الجمهور «الأزرق» على تقلّبات قيادته