الطوائف الخائفة.. فهل يتطرّف السنّة كلّهم؟

عندما تغيب الهوية العامة، وتطفو الهويات الفرعية على سطح الحياة الاجتماعية، تنغلق كل مجموعة على ذاتها، تحاول الدفاع عن هويتها الفرعية، تنظر إلى الآخر بصفته الخطر الرئيس عليها، وعلى هويتها التي تنتسب إليها وتجد فيها جدار الأمان الأخير.

يتناول علي عشاءه ويتحدث في الوقت نفسه: “ما في طائفة مظلومة وطائفة ظالمة، هناك بشر مظلومين من الطوائف كافة، وهناك تيارات وأحزاب تتنازع مغانم السلطة وتغذي الانقسام المذهبي لتحافظ على مصالحها ومحاصصاتها”.

لكن شربل يرى “أنّ تحلّل الدولة وأجهزتها يجعل من الطوائف كلّها خائفة، كل واحدة من الأخرى، لنكن واقعيين، المسيحيون خائفون أن يذهبوا فرق عملة في الصراع بين السنة والشيعة، يشعرون أنهم معرضون للدعس، وإذا حصلت تسوية بين السنية السياسية والشيعية السياسية ستكون على حسابهم”.

ويضيف شربل :”كان المسيحيون يعتقدون أن ضمانتهم، خصوصاً بعد الطائف، هي العيش المشترك والتسامح المطلوب بين المجموعات المكونة للمجتمع، الآن يطلع علينا أحد زعماء الطائفة ليقول إنّ الضمانة بتنكة البنزين المستوردة عبر وزارة الطاقة، وأن مصير مسيحيي المشرق متعلق بحصة هذا الطرف المسيحي أو ذاك”.

ويزيد :”السنّة ليسوا خائفين، بل يشعرون بالحقد والكراهية ضدّ ممارسات الشيعة تجاههم، وخصوصاً بعد تجاوز حزب الله الشيعي للسلطة وتماهيه مع الطائفة نفسها. أما الشيعة، فإنهم يبدون خوفهم وخصوصاً في الآونة الأخيرة عندما شعروا أن سلاح حزب الله الذي مكّن الحزب ومن يعتاش على مائدته من الاستفادة من مواقع السلطة، لم يستطع حمايتهم من العمليات الاجرامية التفجيرية التي تستهدفهم من قبل التيارات السنية المتطرفة”.

هذه الجملة تفتح الباب واسعاً أمام وضع السنّة الفعلي، فهم أهل مدن، سكنوها منذ مئات السنين، وأهل تجارة، تجعل من ثقافتهم قبول الآخر والاعتدال والبحث عن حلول وسط. لم تبرز في وسط أهل المدن تيارات سنية متطرفة مثل تلك التي تأسست في الأرياف التي تسكنها مجموعات سنية (عكار، البقاع الأوسط…). صيدا مدينة تسكنها أكثرية سنية لكنها لم تعرف التطرف السني، حتى في أحلك الظروف، وإذا كان الوضع الحالي يشير إلى سيادة خطاب الشيخ أحمد الأسير فيها، الذي يشهر الصوت عاليا ضدّ تجاوز حزب الله السلطة وممارساته في مناطق معينة ضد الآخرين، إلا ان الاتجاه العام يرى أن غبنا لحق بالطائفة وكرامتها، لكنه يرفض الممارسات المتطرفة التي لجأ إليها الأسير وأمثاله من الاسلاميين المتطرفين. واذا كان أهل المدينة “ينقون” على تيار المستقبل لأنهم يرون أنه لم يستطع أن يتصدى بنجاح لخطة حزب الله.

عشت الحرب الأهلية منذ بدايتها، وشاركت في مقاومة اسرائيل عند احتلالها للجنوب، لم أشعر بالخوف يوماً، لكني في أيار 2008 شعرب به بشكل كبير، كنت أعمل في بيروت، عندما اتخذت الحكومة قراراتها التي لا تستطيع تنفيذها في 5 أيّار، بشأن شبكة اتصالات حزب الله الداخلية والعميد وفيق شقير. كانت بمثابة اعلان حرب على حزب الله، الذي بادر إلى شن حرب أهلية قصيرة، رغم قناعته بعدم قدرة الحكومة على تنفيذ قراراتها، كانت حربا لتعديل موازين القوى والوصول إلى حل الدوحة.

يومها شعرت بالخوف، كنت أعمل في كراكاس وعلي الوصول إلى مستديرة الكولا للانتقال إلى صيدا. كنت خائفاً من الحواجز المنتشرة التي ربما تعتدي علي لمجرد اني أحمل هوية من صيدا واني سني المولد. وبعد وصولي إلى صيدا بقيت ثلاثة أيام ريثما ينجلي الوضع. في المقهى الشعبي أحسست بالغربة، لأنّ الجميع يشعر بالهزيمة وبضعف الأحزاب السنية في مواجهة حزب الله وأن أي منطق آخر غير مقبول، وجدت نفسي حتى في مجتمعي المحلي غريباً ويمكن وصفي بالخائن لمخالفتهم الرأي. أيامها كانت أصعب أيام حياتي.

العام الماضي، التقيت في عكار بأشخاص ينتمون إلى تيار المستقبل ويشاركون في ورشة عمل، عند تناول الغذاء تبادلنا الحديث. معظمهم يأتون من موقع يساري، وعندما سألتهم لماذا التحقتم بالمستقبل وأنتم أبناء اليسار؟ أجابني أحدهم :”المنطقة صارت منطقة سنية، وأمامنا أحد الخيارات، اما أن نلتحق بتيار اسلامي متطرف أو بالجماعة الاسلامية أو بالمستقبل، فانتقينا الأقل ضرراً لنا نحن أصحاب التاريخ اليساري”.

وفي برقايل، قالت لي احدى الناشطات “زينة” :”رغم أن تيار المستقبل يسيطر على البلدية، إلا أنّ الجو العام في البلدة انقلب عليه بسبب سياسته غير الصلبة وعدم قدرته على التصدي لحزب الله، وتحول الجو العام إلى الجماعة الاسلامية”. أبديت استهجاني من الموضوع، فأجابتني :”أليس هذا الأمر أفضل من الالتحاق باتباع عبد الغني جوهر وخالد الضاهر؟”.

السابق
سجائر cedars اللبنانية تستفيد من الأزمة السورية
التالي
القاضي الزين تسلم ملف جمال دفتردار و12 آخرين ويستجوبه الاثنين