ميشال سليمان.. المطلوب قرار بحجم كلمة السر

الرئيس سليمان
فلطالما كان الاطمئنان هو نتاج شعور عميق بأنه في مكان ما من هذا العالم يوجد من يمسك بالقرار النهائي ويتحكم بتفاصيل اللعبة الداخلية تحت سقف حماية الهيكل ومنعه من التهافت.

يجمع مراقبون على ان الظروف السياسية التي يمر بها لبنان هي الأسوأ منذ عقود، بما فيها مرحلة الحرب الاهلية، حين لم يتلمس اللبنانيون هذا الكم الهائل من الترهل المفضوح في الطبقة السياسية الحاكمة كما نشهد الآن.  ومرد هذا الانفضاح هو الإحساس العميق عند المسؤولين أولا، ومسحوبا هذا الإحساس عند المواطنيين ثانيا، اننا نسبح في بحر هائل من الفراغ.
فلطالما كان الاطمئنان هو نتاج شعور عميق بأنه في مكان ما من هذا العالم يوجد من يمسك بالقرار النهائي ويتحكم بتفاصيل اللعبة الداخلية تحت سقف حماية الهيكل ومنعه من التهافت.
وقد تنوعت هذه الايادي الخارجية “الحامية” من السقوط الكبير وذلك حسب التبدلات الإقليمية والدولية، الى ان استقر الامر خلال المرحلة الأخيرة لتسليم لبنان بالكامل الى نظام آل الأسد. وقد تعودنا نحن اللبنانيين على مر هذه السنون ان نشهد خضات داخلية وباشكال مختلفة تترافق مع كل تبدل في موازين القوى الخارجية ووفق المزاج الإقليمي، وتعوّد المسؤولون عندنا حتى الإدمان انتظار ما اصطُلح عليه لبنانيا بأنه “كلمة السر”.
من هنا وبنظرة بانورامية سريعة يمكن ان نستخلص بسهولة ان كل الدول المعنية والممسكة بخيوط الأدوات الداخلية هي في شأن غير شأننا. فسوريا الآن لم تعد سوريا. ووريثتها المفترضة ايران مشغولة هي الأخرى بمؤتمر دافوس حيث تسعى لخلاص شعبها من سقوط محتم عبر استجلاب الشركات الغربية اليها. أما المملكة العربية السعودية فمتفرغة تماما لاسقاط نظام الأسد. أما اميركا باراك أوباما ومعه أوروبا فالاولوية عندهم للخروج من ازماتهم الاقتصادية وإعادة تثبيت انظمتهم الداخلية.
هكذا يكون اللبنانيون، للمرة اﻷولى منذ ولادة كيانهم، هم متروكين وحدهم، ومتفلتين من أي ضغوط خارجية. وهذه الحالة “الاستقلالية” مستجدة عليهم نتيجة ظروف لم يكن لهم شرف ايجادها، ما وضعهم امام حالة تاريخية فريدة يفترض ان تكون الأفضل للسياسيين اللبنانيين، الا انها وبكل اسف مشكلة المشاكل لانهم لم يتعودوا عليها، ما جعلهم في وضع من التخبط. فتراهم سكارى وما هم بسكارى، الى درجة ان هذا التفلت الحاصل يشكل اآان خطرا وجوديا على أسس الكيان ان لم يخرج من بينهم من يعمل على ملء هذا الفراغ الضخم.
المطلوب اذا من رئيس الجمهورية موقف تاريخي كبير يساوي حجمه حجم مجموع كل الدول التي مرت على إمساك القرار اللبناني طيلة المراحل السالفة. وهذا الموقف بقدر ما هو خطير الا انه ضروري وعظيم ليس فقط لتمرير الازمة الحالية بل لانه سيساهم الى حد كبير في اخراج القرار السياسي ومعه كل الطبقة السياسية الموافقة والمعارضة من وضعية التشرنق المستعصية، التي لن يخرجوا منها قريبا اذا ما استمروا بانتظار من يحل لهم عقدة اسمها: كلمة السر!

السابق
سكاف: لفصل إدارة النفط عن وزارة الطاقة وجعلها مؤسسة بمجلس إدارة مستقل
التالي
العثور على جثة على الاوتستراد الساحلي عند مدخل جدرا