قتال وخوف

تتغير الظروف الإقليمية والدولية التي تؤثر في لبنان.
لم نستفد من الظروف التي أوقفت الحرب وولّدت اتفاق الطائف. مرَّ نحو ثلاثة عقود ولم نبنِ دولة. بل أُوقفت تلك الحقبة بتفجير الصيغة أو اغتيالها.
لم نبنِ دولة تحل النزاعات وتمتص التدخلات، وتقوم بواجباتها وتنال حقوقها.
هكذا، بقي النظام الطائفي عرضة للرياح الإقليمية والدولية ومشرّعاً نفسه والبلد والدولة والمواطن أمام المتغيرات والحروب. بل إنه أورث نفسه والبلد والدولة والمواطن للمذهبية. تخلخلُه وارتماؤه بأحضان الخارج أنتجا ذلك. وها هي المارونية السياسية، بنسخها المتعددة، وحدها تبكي بشكل غير صريح الرجل المريض القابع في سرير الموت غير المعلن.
وإذا كانت الدرزية السياسية اختارت انتظار المتغيرات لركوب المستقبل، فإن أهل “الفتنة الراهنة”، السنية والشيعية السياسيتين، لا يمكنهم وحدهم الحفاظ على لبنان وتأمين صيغة لتعايشهم من دون الآخرين. هذا مستحيل حتى لو اتفقت السعودية وإيران، ولو استعملوا العنف ضد بعضهم البعض وضد الآخرين.
لبنان ليس لهم وحدهم. والأكثر في لبنان ليس هو الأقوى ولا الأقل هو الأضعف. الظروف الدولية والإقليمية، في ظل غياب الدولة، هي التي تتحكم بتوازناته الداخلية. والمعادلات تتبدل.
فاللحظة مصيرية بالنسبة إلى لبنان. والمذهبية التي تهدده وإن قرصنت النظام لا يمكنها إلا أن تضع تلك العصبة على عين وتبقى هائمة في البحر وعرضة لحركته.
الأكثرية والأقلية، في حال مثل حالنا، من المصطلحات الخطابية لفرض توازنات إقليمية ودولية، ولدفع هذا إلى القتال وذاك إلى الخوف. وما بين حال وأخرى نهمل بناء سلمنا وبيتنا: الدولة.

السابق
بين الجهاد والاقتصاد… لمن النصرة؟
التالي
فرع «داعش» اللبناني: دائرة الاستهداف تشمل الجيش