الصراع بين ‘الجبهة الإسلامية’ و ‘داعش’: الإسراف في القتل قبل الأيديولوجيا

داعش

رفع إسلاميو المعارضة السورية أخيرا بنادقهم في وجه بعضهم بعضاً. تحوُّل كان أشبه بالمعجزة التي تحصل في العصر الحديث، ومشهد ربما لم يألفه المسلمون السُّنة منذ قرون. فالأحاديث النبوية تحذر من الوقوع في مثل هذا الاقتتال بين المسلمين (فكيف إذا كان كلا الطرفين سلفياً يخرج من مشكاة واحدة؟)، وتنذر كلا الطرفين بالعقاب الشديد. فما التقى المسلمان بسيفيهما إلا كان القاتل والمقتول في النار كما يروى عن الرسول الأكرم. كيف استطاع الإسلاميون السوريون تجاوز هذه النصوص، وكيف فعلتها الجبهة الإسلامية بعد أن كانت أبرز فصائلها وفي مقدمها لواء التوحيد، تتفادى الدخول في أي مواجهة معهم. على رغم أن «داعش» هاجم حليفه في الجيش الحر «لواء عاصفة الشمال» وسحقه في أعزاز. كان عبدالقادر صالح يقول: «أرجوكم لا تدفعوني لرفع بندقيتي في وجه أخي المسلم».
اليوم دخل لواء التوحيد في مواجهة «داعش»، وتصدرت أحرار الشام أيضاً عنوان المواجهة بعد أن كانت هي التي تسعى طوال الأشهر الماضية إلى لمّ الشمل وتوحيد الصفوف بين الأطراف المتنازعة.
منعطف خطير ودقيق في مسار المعارضة السورية. وأسئلة كبيرة تطرح في شأن التوقيت والأسباب. فما الذي يدفع الإسلاميين المتقاربين أيديولوجياً إلى حد كبير للقتال في ما بينهم؟ ما هي مبرراتهم الشرعية والسياسية؟ وأية خصائص تميّز ذاك التنظيم الوليد عن تنظيم «داعش»؟
أول ظهور للدولة الإسلامية في العراق والشام كان في ريف حلب عام 2013. فجأة ظهر مئات المسلحين يجوبون الشوارع ملثمين ويحملون رايات سوداً كتب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله. استُقبل هؤلاء المقاتلين استقبال الفاتحين. أطلقوا على أنفسهم اسم الكتائب الإسلامية. رحب الأهالي بهم كونهم جاؤوا لنصرتهم كما ظنوا. بعد أشهر بدأ هؤلاء الرجال بالتمدد في الريف الحلبي، حققوا انتصارات كبيرة في الرقة ودير الزور، وصل نفوذهم إلى إدلب، وحاولوا حديثاً أن يبنوا معسكرات في القلمون، لكن الكتائب المقاتلة بمعظمها رفضت ذلك، وطلبت من جبهة النصرة أن يبقى هؤلاء المقاتلون ينسقون مع الجبهة ويتدربون في معسكراتهم في المناطق التي تخضع لنفوذهم.

بوادر شقاق
بوادر الشقاق بينهم وبين الأهالي بدأت تظهر حين سيطروا على المدن «المحررة». ففي الوقت الذي كان يرابط مقاتلو الجيش الحر والكتائب الإسلامية على الجبهات في كويرس ومطار منغ، كان عناصر «داعش» يستولون على آبار النفط والمرافق الأساسية ويحاولون تطويع الناس لسلطتهم. سيطروا على المساجد وأجبروا الخطباء على أن تكون دروسهم ومواعظهم تتلاءم مع نهج «داعش»، وإلا عزل الإمام أو قتل، كما سيطروا أيضاً على مؤسسات الكهرباء والمياه والأفران ومحطات الوقود والمصانع. بات عناصر «داعش» يتحكمون بكل تفاصيل حياة الناس اليومية في الريف الحلبي والرقة.
منذ أشهر ضاق الناس ذرعاً بهم، خرج شيخ اسمه محمد سعيد الديبو لينتقد علناً في الجامع الكبير بوسط منبج تصرفات «داعش»، واعتبارها تتناقض مع تعاليم الإسلام الحنيف. سجنوا الشيخ ثم اغتالوه في ما بعد. انتفضت مدينة منبج، وخرج الناس بتظاهرات تندد بـ «داعش». فالشيخ الديبو المعروف باعتداله له محبون وتلاميذ كثر. بدأت النار من تحت الرماد تلفحها الرياح.
اعتداءات «داعش» لم تقتصر على المدنيين. في بداية الأمر أعلنت الكتائب الإسلامية (داعش في ما بعد) بأنها لا تكفّر كتائب المعارضة الأخرى، وأنها ستعمل معها جنباً إلى جنب لرفع الظلم. بعد أشهر وحين تمكن هؤلاء، انقلبوا على عهودهم، وبدأوا بتصفية عناصر الجيش الحر. اعتقلوا قائد الفاروق حينها ويدعى «البرنس» وسجنوه في مستشفى العيون. قتلوا الكثير من عناصر «الحر» واعتقلوا المئات. وبان حجم المجازر التي ارتكبوها في معتقلاتهم بحق المعارضة وأنصارها، لا سيما بعد العثور على مقابر جماعية قرب مقارهم التي انسحبوا منها في إدلب وحلب.

المواجهة العلنية
التحوّل الأبرز والمواجهة العلنيّة المباشرة اندلعت حين أقدم طبيب ألماني على تصوير أحد جرحى «داعش»، طالبت الدولة بتسليم الطبيب، فرفض لواء عاصفة الشمال، فحدث الصدام بين الطرفين انتهى بالقضاء على لواء عاصفة الشمال وتصفية نفوذهم في أعزاز ومنبج. هذه التطورات أربكت كتائب المعارضة. فالجميع بات متذمراً من تصرفات «داعش» المتشددة ومغالاته في أمور الدين. لكن أي فصيل بمفرده غير قادر على مواجهة «داعش»، وكثير من هذه الكتائب وعلى رغم اعتراضها على تصرفات الدولة الإسلامية ترى أن الأولوية الآن هي لقتال النظام، وأن أي مواجهة مع أي فصيل معارض ستصب في مصلحة النظام.
منذ نحو شهر ونصف شهر، تجاوز «داعش» الخطوط الحمر. تجرأ واعتدى على أكبر التنظيمات الإسلامية في سورية وأكثرها تنظيماً. امتدت يد «داعش» إلى قتل عدد من عناصر حركة أحرار الشام من بينهم قائد بارز يدعى أبو ريان. اعتبرت الحركة الإسلامية ذات التوجهات السلفية أن الكيل طفح والكأس امتلأت، كان لا بد من رد حاسم، كي لا يتجاوز «داعش» أكثر فأكثر. فحركة أحرار الشام وحدها تضم بين صفوفها حوالى 20 ألف مقاتل. وهي أصلاً المكوّن الرئيس للجبهة الإسلامية السورية.
تشاور أعضاء الجبهة الإسلامية في ما بينهم، كان القرار: الحسم مع «داعش». من المعروف في علم الأصول، أن «المصلحة» من أصول التشريع. كان تقدير المصلحة محلياً ودولياً هي قطع يد «داعش» وإخراجه من مناطق المعارضة كونه يسيء أكثر مما يصلح، هذه هي الفتوى والتخريج الشرعي، فـ «داعش» بغى ويجب قتاله. هذا ما يقوله أحد القادة البارزين في الجبهة الإسلامية.
قرار الجبهة تقاطع مع رغبة قوية للقوى الدولية والإقليمية الداعمة للمعارضة السورية بضرورة التخلص من «داعش». حان الوقت لاتخاذ هذه الخطوة الحاسمة قبل «جنيف – 2»، لإظهار الجبهة الإسلامية ذات النفوذ الواسع والقوة الضاربة على الأرض، بأنها ترفض احتضان المتطرفين ولا تقبل أن ينمو تنظيم «القاعدة» على أراضيها. حان الوقت لانتزاع الورقة الأهم من يد النظام السوري. حان الوقت لإغلاق أبواب الذرائع أمام المجتمع الدولي الرافض تقديم الدعم الحقيقي للمعارضة بحجة وجود «القاعدة». حان الوقت لتفكيك العقبات الأساسية التي تقف حائلاً أمام أي تسوية أو حل سياسي للأزمة.

مصالحة مستحيلة
المصالحة مع «داعش» باتت مستحيلة، خصوصاً بعد إسرافه في القتل، وإصداره فتوى بتكفير كل من ينتمي إلى المعارضة أو يحتضنها وقتله. وقد ارتكب تنظيم «داعش» مجازر كبرى في حق المدنيين، خصوصاً في مدينة الباب، وقام بعمليات انتحارية عدة استهدفت حواجز وثكنات للجبهة الإسلامية، ما أدى إلى مقتل العشرات من عناصر الجبهة في جرابلس وإدلب، فالمعركة مع الجبهة الإسلامية كما يقول «داعش» هي معركة مع المنافقين والمرتدين وعملاء النظام.
في المقابل تعتبر الجبهة الإسلامية أن «داعش» أصبح متورطاً بقتل ذويها، ومنهجه غريب عن البيئة السورية، وكثير من عناصره مخترقين من النظام السوري والإيرانيين والروس. لذا، يجب القصاص من القتلة، وإخراجهم من الأراضي السورية.
لكن، في تقديرنا ووفق المعطيات الميدانية، لن تتمكن الجبهة الإسلامية من القضاء على «داعش». إذ إن الدولة الإسلامية في العراق والشام تنظيم قوي وخبرة عناصره القتالية عالية، ولديه تجهيزات عسكرية مهمة، والمساحة الجغرافية للمناطق التي يسيطر عليها كبيرة.
أما الجبهة الإسلامية فعلى رغم تفوقها على «داعش» بمعرفة الأرض، إلا أن خبرة عناصرها القتالية لا تتجاوز عُمر الثورة السورية، كما أنها لا تملك سلاح طيران وأسلحة متطورة. الأميركيون عجزوا عن إخراج الدولة الإسلامية من الأنبار، فهل ستستطيع الجبهة؟!
المطلوب اليوم بتقديرنا هو إخراج «داعش» من حلب وإدلب فقط، بغية تلميع صورة الجبهة الإسلامية أمام المجتمع الدولي، وإظهارها بأنها قوة إسلامية معتدلة يمكن الرهان عليها بعد أن فشل الرهان على الجيش الحر. المطلوب تحقيق إنجازات ولو محدودة لإظهار الجبهة الإسلامية بأنها القوى الضاربة على الأرض، وبأن من يدعم الجبهة إقليمياً، هو من يملك القرار الحقيقي. ليس من مصلحة المعارضة استنزاف قوتها القتالية في معارك لا تنتهي مع «داعش». لكن، إذا تمت التسوية وأخذ القرار فإن المعادلات ستتغير، وقد تتدخل أطراف أخرى لحسم الصراع، وإخراج «داعش» نهائياً من سورية.

الخلافات العقائدية والسلوكية والتنظيمية بين «الجبهة الإسلامية» و «داعش»
يستغرب كثيرون من المتابعين ما يشهده شمال سورية من صراع بين «الدولة الإسلامية في العراق والشام» و»الجبهة الإسلامية». فالاشتباكات الدائرة بين أخوة الدين والسلاح تثير جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية والسياسية والإسلامية، وخصوصاً أن كلا الطرفين ينتميان للمدرسة السلفية الجهادية. وهنا نحاول قدر الإمكان تبيان الفروقات العقدية والسلوكية والتنظيمية بين الطرفين:
1- لا شك أن توجهات معظم مكونات الجبهة الإسلامية سلفية (صقور الشام ولواء التوحيد أكثر اعتدالاً من أحرار الشام وجيش الإسلام)، ولا شك أيضاً أن توجهات «داعش» سلفية. لكن الفروقات دقيقة بين الطرفين. فالجبهة الإسلامية بمعظمها لا تقبل باستباحة قتل المخالفين لها بالدين كالشيعة والعلويين والمسيحيين، ما لم يقاتلوهم. فيما تستبيح «داعش» كل من خالفها في الدين، حتى ولو كان من أهل السنّة. تستبيح قتله لأنه يخالف ما تعتقده.
2- الجبهة الإسلامية لا تبيح قتل الحاضنة الشعبية للمناوئين لها، حتى لو كان ذووهم قتلوا مدنيين من المعارضة. (هناك بعض التيارات المتشددة داخل الجبهة تبيح قتل ذوي أعدائهم)، أما «داعش» فتقتل النساء والأطفال والشيوخ، على قاعدة «واعتدوا عليهم بمثل ما اعتدوا عليكم».
3- الدولة الإسلامية في العراق والشام حين تسيطر على أي رقعة تسعى إلى إقامة الخلافة فيها، وتطبيق شرع الله كما تراه. فتهدم القبور، وتمنع التدخين، وتفرض النقاب، وتمنع لبس الثياب الحديثة، أو قص شعر اللحية، وتنشىء المحاكم الشرعية…. أما الجبهة الإسلامية فالأولوية عندها إسقاط النظام، ولا تتدخل عادة بشؤون الناس. معسكراتها بمعظمها في الجبال والبساتين وعلى الجبهات.
4- «داعش» كانت ترفض أن تخوض أي معركة مشتركة ضد النظام إلا مع جبهة النصرة لانتماء الطرفين إلى الفكر والنهج نفسه. أما الجبهة الإسلامية فلا ضير عندها أن تخوض معارك ضد النظام بالتنسيق مع كتائب أخرى. ولعل هذا التنسيق المتكرر في جبهات عدة ساهم في التقريب بين عناصرها وعناصر الجيش الحر.
5- معظم عناصر الجبهة الإسلامية سوريون. وقادتها معروفون كزهران علوش المولود في دوما، وأحمد الشيخ المعروف في جبل الزاوية. ولهذا يتوافر لعناصرها حاضنة شعبية كبيرة. أما الدولة الإسلامية في العراق والشام فهي تنظيم دخيل ووافد. ومعظم عناصرها ليسوا سوريين. ولا يفهمون طبيعة الشعب السوري ولا عاداته ولا تقاليده. رُحب بهم بادئ الأمر حين ظن المواطنون السوريون في حلب ومحافظات شمال سورية أن هؤلاء جاؤوا لنصرتهم، لكن سرعان ما انفض الناس عنهم وانقلبوا عليهم بعد ما رأوه من سوء أعمالهم.
6- هناك اختلاف كبير في طريقة الانضمام إلى «داعش» أو «النصرة» من جهة أو إلى الجبهة الإسلامية. فـ «داعش» و»النصرة» يشترطون لكل من يريد أن ينضم إليهم أن يحظى بتزكية عدد من مشايخهم. ويجب أن يخضع لدورة تثقيفية، مدتها من ثلاثة إلى ستة أشهر، في قضايا الدين وفكر التنظيم. بعد ذلك، يخضع لدورة عسكرية ويبايع قائد التنظيم على السمع والطاعة. أما الجبهة الإسلامية فالانضمام إلى فصائلها كأحرار الشام أو لواء التوحيد أو جيش الإسلام أو صقور الشام لا يحتاج إلى هذه التعقيدات. وإذا ما عدنا قليلاً إلى بدايات الثورة السورية، يسهل علينا فهم كيف تكونت هذه الكتائب والجبهات. بدأ الإسلاميون السوريون يشكلون كتائب صغيرة في مدنهم وبلداتهم، وقد رأيت الكثير من هذه التشكيلات الصغيرة، وكيف كانت تتشكل. بعد سنة أصبحوا أكثر تنظيماً وتماسكاً. الكتيبة أصبحت لواء، واللواء انضم إلى لواء أكبر منه، ثم بدأت الألوية تتوحد وتشكل جبهات، لتتوحد أخيرا معظم هذه الألوية والجبهات تحت راية الجبهة الإسلامية… فالانضمام كان يخضع في البدء لمعيار الالتزام ومعرفة هوية هذا الشخص في بلدته أو قريته. لهذا نجد بنية الجبهة متماسكة، وأعضاؤها يعرفون بعضهم البعض منذ زمن بعيد (مثلاً عناصر الجبهة الإسلامية في مدينة الزبداني، كلهم أو معظمهم من الزبداني). لهذا يصعب اختراق الجبهة الإسلامية بعكس «داعش» أو «النصرة»، التي تعتمد على أسلوب التزكية المشيخي (عمادها الثقة بأي إنسان يدّعي أنه مسلم من أي منطقة أتى)، والتثقيف السريع، من دون أن تدري بخلفيّات الرجل وتوجّهاته وارتباطاته.
7- إذا ما تتبعنا سلوكيات عناصر «داعش» نراها تختلف عن سلوكيات الجبهة الإسلامية. فعناصر «داعش» لا يسمحون لأي منهم بالتدخين، كما لا يجلسون مع مدخن، ولا يسمعون الغناء، وشعورهم طويلة، ولا يقصون لحاهم، ويلبسون ثيابا فضفاضة معروفة باللباس الأفغاني. أما عناصر الجبهة فتجد الكثير منهم يمارس عادة التدخين، ويشذب لحيته، ويقص شعره، ويلبس البنطال الغربي.
8- الدولة الإسلامية في العراق والشام تتبع للتنظيم العالمي للقاعدة، فهو تنظيم يتخطى الجغرافيا السورية ولا يتقيد بالحدود. أما الجبهة الإسلامية فهي تنظيم سوري بامتياز محلي المنشأ، ولد من رحم المناطق السورية.
9- نفوذ الجبهة الإسلامية منتشر على كامل الجغــرافيا السورية تقريباً، أما وجود عناصر «داعش» فيــــتركز فقـط في الشمال السوري، في الرقة ودير الزور وريـــف حلـــب وإدلب. وقد حاولوا خلال الأشهر الماضية التمدد باتجاه ريف دمشق، وأرسلوا نحو ثلاثمئة مقاتل إلا أن الجبهة الإسلامية أرسلت لهم كلاماً واضحاً وحاسماً عبر «جبهة النصرة» بأن مناطقنا ليست بحاجة لكم، وكتائبنا قادرة على حماية مناطقنا. لذا انحصر وجودهم في منطقة النبك في القلمون، لينسحبوا في ما بعد إلى يبرود بعد سيطرة الجيش السوري على النبك.
10- بات من المعروف والواضح من يموّل الجبهة الإسلامية، سواء كان تمويلهم عبر رجال أعمال خليجيين أو أوروبيين أو سوريين أو تتبنى تسليحهم دول إقليمية. وقد استطاعت الجبهة إلى حد ما، أن تتموضع في لعبة المحاور الدولية، وتدخل في السياق الطبيعي للصراع العالمي، وتتحول إلى جناح وذراع لقوى كبرى إقليمية ودولية. لكن «داعش» ظل تنظيماً مارقاً، لا يتبع لأي جهة إقليمية أو دولية وازنة. ولهذا وضع على قائمة الإرهاب، وتجري ملاحقته من كل دول العالم بصفته تنظيماً يعادي ويحارب الإنسانية، ويعلن حربه على كل المحاور والقوى. في تقديرنا قد تتدخل قوى أخرى غير الجبهة في أي لحظة إذا ما تم التوافق إقليمياً ودولياً على تصفية «داعش».
11- كلا التنظيمين الإسلاميين يعملان على إقامة الخلافة الإسلامية. لكن الفارق بينهما هو في الأولويات. فـ «داعش» تقيم ولايات للدولة الإسلامية وتطبق شرع الله (كما تفهمه طبعاً) في المناطق التي تسيطر عليها. بينما لم تعلن الجبهة الإسلامية في أي بلدة أو مدينة أن تلك الناحية تحولت إلى ولاية إسلامية. فالأولوية عند الجبهة الإسلامية هي إسقاط النظام، وبعدها تسعى لإقامة حكم الله على الأرض. وبتقديري لا يملك قياديو الجبهة رؤية واضحة وتفصيلية لماهية الدولة الإسلامية، كل تصريحاتهم عامة وغير متماسكة ولا تقدم رؤية متكاملة وواضحة. (أصلاً الدين الإسلامي لم يضع برامج تفصيلية للحكم، بل هناك مقاصد وقواعد عامة وكليات، يستنبط العلماء على ضوئها أحكاماً تتناسب مع العصر الراهن وتراعي الفطرة الإنسانية والعلاقات المجتمعية، من قال إن نظام الخلافة يصلح مع روح العصر الحديث).
12- منذ دخلت «داعش» كان جل اهتمامها ينصب على السيطرة على المدن والقرى التي تضم آبار النفط. بعكس فصائل الجبهة الإسلامية التي كان عناصرها ينتشرون على الجبهات.
13- خبرة عناصر الدولة الإسلامية في العراق والشام كبيرة، أكسبتهم إياها المعارك التي خاضوها في كثير من البلاد العربية والإسلامية. أما الجبهة الإسلامية فخبرة عناصرها لا تتجاوز عمر الثورة. لكن معرفة أفراد الجبهة بالأرض وبالأهالي والأعراف الاجتماعية تفوق بكثير معرفة عناصر «داعش» الوافدين. وهو الأمر الذي ربما يساعد أكثر عناصر الجبهة.
14- ثمة اعتقاد سائد في أوساط المعارضين بأن تنظيم «داعش» هو تنظيم غامض ومثير للريبة. ولا يستبعد هؤلاء أن يكون مخترقاً على مستوى واسع من النظام السوري وقوى إقليمية ودولية. فتصرفاته الغريبة والمستهجنة لا تصب إلا في مصلحة النظام. أما الجبهة الإسلامية فخطها واضح، وعناصرها معروفون، قبل الثورة والآن.

السابق
عن سعي اللبنانيين إلى الانتصار على القاتل غير الاستثنائي
التالي
الحياة: حزب الله يتأخر وسلام لتقديم تشكيلته الاسبوع المقبل