الطائف السوري ما زال طيفاً

ما زال انعقاد “الطائف” السوري بعيداً. مؤتمر “جنيف – ” خطوة على طريق طويل، لكنها كانت خطوة ضرورية، لأنّها ظهّرت بعض الخطوط والألوان في خريطة الوضع السوري والإقليمي والدولي. من ذلك، أنّ طموح الرئيس بشار الأسد في تحويل المؤتمر إلى “حرب عالمية ضدّ الإرهاب”، يكون هو رأس الحربة فيها مقابل تثبيته في السلطة، قد فشل. أيضاً طموح المعارضة في خروج الأسد من السلطة فوراً قد فشل. أيضاً وهو الأهم أنّ القوى الدولية والإقليمية غير قادرة على إنتاج حل يؤكد فوزها بحصة “الأسد” مجتمعة ومتفرقة. السبب أنّ الشرخ أفقياً وعمودياً عميق جداً.

تحوّلات مهمّة حصلت قبل “جنيف -” أو “مونترو -“، تؤشر إلى بعض المتغيرات والتغييرات. من ذلك:

* أنّ حرب المعارضة السورية ضدّ “داعش”، قد سحبت ورقة استراتيجية مهمة جداً من يد الأسد كان يريد استثمارها أمام العالم، نتيجتها الأولى أن لا خيار للسوريين والعالم بينه وبين هذه المعارضة “الداعشية”، سوى دعمه والتمديد له.

* تبلور قناعة في الغرب، أنّ إهمال المعارضة وعدم تسليحها وترك الأسد يستخدم كل الأسلحة إلاّ السلاح الكيماوي (وبعضها مثل صواريخ السكود والبراميل المتفجرة أشد فتكاً وهي في حالات كثيرة تقع آثارها المادية والنفسية في اطار الجرائم ضد الإنسانية) قد ولّد يأساً غير مسبوق لدى السوريين جعل الكثيرين منهم ينزلقون نحو التطرّف. هذا الوضع هو الذي أنتج مؤخراً نقاشاً مهماً في واشنطن ولندن حول ما إذا كان عدم استخدام القوّة ضدّ الأسد كان خطأ كبيراً، وأنّ هذا الغرب سيجد نفسه في لحظة “سبريتيشية” (نسبة إلى “سبريتيشية” في يوغسلافيا) مضطراً وبكلفة أكبر للتدخل.

[ تأكد الغرب أن الأسد لعب دوراً أساسياً وفعالاً في تغذية الإرهاب ومنظماته بالرجال والقيادات التي أطلق سراحها من معتقلاته، وأنّه استقدم بواسطة حليفه الجديد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي عشرات القياديين من “القاعدة” في عملية هروب منظّمة وواسعة، وأنه يستخدم انتشار الإرهاب كما فعل دائماً في مقايضة معلوماته بتقديمات غربية له ولنظامه.

[ إنّ المعتقلات السورية تكاد تشبه المعتقلات النازية. التقرير الذي نشره ثلاثة من المدّعين العامين الدوليين والمدعوم بخمسين ألف صورة للمعتقلين الذين ماتوا من الجوع المنظم والتعذيب الممنهج على مثال “الهولوكست”، في توقيت مدروس جيداً، قد أكد ما كان متداولاً. وقد جرى رفد هذا التقرير بتقارير صحافية من دمشق (جورج مالبرونو في “الفيغارو”) تفيد أنّ النظام ينفذ سياسة تجويعية أدّت إلى أن يأكل المدنيون الفئران وأنه في فترة زمنية محدودة توفي طفلاً من الجوع.

الانتصار مستحيل، وكما يبدو أنّه ممنوع على النظام والمعارضة. القوى شبه متوازنة، والخوف والقلق من المستقبل مزروع لدى كل الأطراف. جرائم “داعش” و”النصرة ” دفعت العلويين نحو التشدّد. حالياً يقف مائة ألف علوي على سلاحهم لحماية الجبل العلوي و ألف درزي في الجبل الدرزي، لحماية أنفسهم من هذا “الغول” القاتل. بدورهم السُنَّة يعيشون يومياً مختلف أنواع القتل المبرمج لتعميق أحقادهم ضدّ الآخرين، كما أنّ الأكراد يتجهون نحو الصيغة الكردية العراقية. لذلك كله إن الحل النهائي سيخرج من “المختبر” الأميركي – الروسي، وهو لن يكون بعيداً عن صيغة المزج المدروس بين بعض مكوّنات النظام الحالي والمعارضة المعتدلة.

يبقى أنّ الثمن يرتفع يوماً بعد يوم، إلى حين الوصول إلى “الطائف السوري”، بدورهم فإنّ اللبنانيين سيتابعون الرقص فوق “جمر” الحالة السورية، خصوصاً وأنّ علاقة الأطراف صارت عضوية بالحرب في سوريا سواء كان ذلك سياسياً أم مذهبياً أم عاطفياً أم بالرجال والسلاح.

 

 

السابق
جبهة النصرة تعلن الحرب على حزب الله وتدابير إحترازية في الضاحية
التالي
مجدلاني: الفريق الاخر قبل حتى الساعة بالتخلي عن الثلث المعطل