خطة سورية لاستمرار الاسد

من سمع يوم أول من أمس خطاب وزير خارجية سوريا وليد المعلم أمام مؤتمر “جنيف”، رغم انعقاد جلسته الأولى في مونترو، وخطاب رئيس “الائتلاف السوري المعارض” أحمد الجربا خرج بانطباع يفيد أن السقف العالي الذي طرحه كل منهما طبيعي جداً. ذلك أنهما في بداية تفاوض قد يستمر أشهراً وربما سنوات. ويقتضي ذلك منهما طرح الحد الأقصى لأنهما يعرفان أن عليهما مستقبلاً تقديم تنازلات في حال تقدمت المفاوضات. لكن، على صحة هذا الانطباع المبدئي، يقول باحثون أميركيون متابعون من قرب للأزمة – الحرب السورية وملمّون بابعادها وخلفياتها المتنوعة لا بد من ملاحظة أمر أساسي هو أن الرئيس السوري بشار الأسد لا يبدو عازماً على تقديم تنازلات تسهِّل الوصول إلى تسوية، ولا يبدو عازماً على التنحِّي عن السلطة والحكم. بل يبدو مصمماً على الإفادة من كل الأوراق التي لا تزال في يده حتى الآن من أجل تحقيق هدفه. وقد ظهر ذلك في تصريحاته قبل انعقاد جنيف 2 بيوم أو يومين.
أما الخطة التي يبدو أنه يعتمدها لذلك فانها تتضمن عناصر ثلاثة: الأول، اعتباره أن مهمة جنيف 2 هي التوصُّل إلى تفاهم على أنجع وسيلة لمكافحة “الإرهاب التكفيري” بل للقضاء عليه قبل أن ينجح في إقامة قواعد مهمة له على الأراضي السورية، أو حتى قبل أن يحوِّل سوريا كلها قاعدة له ينطلق منها “لغزو” دول العالم العربي والإسلامي، ولشنِّ حرب مستمرة على دول العالم. ويساعده في طرحه هذا تنامي الحركات الأصولية المتشددة الإسلامية السنّية في سوريا على حساب الثوار السوريين، الذين تكوُّنوا بغالبيتهم العظمى منذ البداية من الليبراليين والديموقراطيين والعلمانيين (على قلتهم)، ومن الإسلاميين المعتدلين الذين كان كثيرون منهم مؤمنين بالفكر الاسلامي “الإخواني”.
والعنصر الثاني، إدراك الرئيس الأسد أن في بيان جنيف 1، الذي صدر بعد اجتماع ناجح في حزيران 2012 في جنيف ضم وزيري خارجية أميركا وروسيا جون كيري وسيرغي لافروف، ثغرة يستطيع استغلالها إلى أقصى حد من أجل استمراره في السلطة. فهو نص في بندٍ له على أن الخطوة “المفتاحية” لأي تسوية للأزمة السورية هي تأليف “جسم حكومي انتقالي يتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة” الأمر الذي يوفِّر مناخاً محايداً يمكن تنفيذ الانتقال من خلاله. لكنه نصّ في مكان آخر على أن الجسم الحكومي الانتقالي يستطيع أن يضم أعضاء من “الحكومة” السورية الحالية وممثلين للمعارضة ولمجموعات أخرى، ولكن بعد موافقة متبادلة من النظام والثوار. انطلاقاً من هذه الثغرة يستطيع الأسد استغلال الانقسامات داخل المعارضة السورية والتقاتل بين فصائلها، والنجاحات العسكرية التي حققها خيراً بمساعدات مباشرة تسليحية ومالية وسياسية إيرانية وروسية، بمساعدات إيرانية عسكرية غير مباشرة تمثّلت بارسال آلاف من المقاتلين اللبنانيين والعراقيين وغيرهم للدفاع عن النظام السوري. كما يستطيع استعمال الفيتو.
أما العنصر الثالث من خطة الرئيس السوري فهو إقناع راعيي مؤتمر جنيف، أميركا وروسيا، بتسوية تتضمن ترشيحه للرئاسة مرة جديدة بعد أشهر، وقبول ترشيحات آخرين لها ولكن وفقاً للدستور الذي عدّله بعد نشوب الثورة عليه (أو أصلحه كما يقول) الذي يعطيه عبر أحد المجالس الجديدة حق قبول الترشيح أو رفضه. وفي وضع كهذا وفي ظل “هجرة” ملايين من السوريين الى الدول المحيطة ببلادهم أو تهجيرهم، وفي ظل الهجرة الداخلية الكثيفة، وفي ظل الدمار شبه الشامل وانقسامات الثوار يستطيع النظام أن يجري انتخابات “كاريكاتورية” وأن يزعم في نهايتها أنه انتصر وأنه سيبدأ بالتعاون مع المجتمع الدولي على مكافحة الإرهاب.
هل ينجح الأسد في تحقيق أهدافه؟
يجيب الباحثون الأميركيون أنفسهم بالقول إن أميركا، وأياً تكن الإدارة الحاكمة فيها، لا تستطيع الموافقة على بقاء نظام (ورأسه) رعى الإرهاب ضدها في العراق (رغم اعتباره مقاومة للاحتلال) ووفّر للارهابيين الملاذ والإقامة والمعبر. ولا تستطيع تجاهل حقيقة أن “الأجانب” الذين يقاتلون إلى جانب الأسد ونظامه يفوقون وبكثير عدد الذين جاؤوا من خارج سوريا لنصرة ثوارها والذين يسميهم مع العالم إرهابيين. كما أنهم يساوونهم إن لم يكونوا تفوّقوا عليهم بالفظاعات ضد الأبرياء والمدنيين. ويجيبون أيضاً أن أميركا لا تستطيع المشاركة في فرض بقاء حكم أقلية لأكثرية في سوريا تنتمي بدورها إلى أكثرية في العالم الإسلامي نسبتها 85 في المئة. فذلك يفاقم خطر “التكفيرية السنّية”. بماذا يجيب الباحثون أيضاً؟

السابق
ورقة مكافحة الإرهاب ارتدت على الوفد السوري
التالي
إيران ستُصعِّد وملف الحكومة قد يتأجَّل مجدداً