هل تخشى الدولة التغيير

ظلت الصورة التي حاولت إيران ترويجها منذ ثورة عام 1979 على حالها، بالقول: «إننا محاصرون بأعداء على كل الجبهات»، فهل هذا صحيح؟ أم أن الأنظمة الإيرانية وملالي إيران والعقلية الإيرانية هي التي خلقت هذه الافتراضية؟! هل كل كان الهدف خلق مناخ من الريبة أو ربما لتطبيق الأنظمة الاشتراكية/ الماركسية بتدابير صارمة؟! وهل كان الهدف منها تصوير نفسها دولة قوية بتبني مظهر الدولة المتعصبة والقمعية والمستعدة دائما لردع أي هجوم؟ كان الهدف أحد هذه الافتراضات وربما أكثر، بطبيعة الحال، وقد نجحت إيران في تحقيق هدفها، فتحولت الأنظار عن الدول الأخرى ذات الأنظمة القمعية والديكتاتورية والبرامج النووية، وجرى التركيز على إيران وحدها. ولأن إيران تعتقد أنها محاطة بالأعداء من كل الجبهات، كان هوسها دائما يثير خوف الآخرين.
وقد أدهش ظهور إدارة روحاني برسائلها المعتدلة العالم، وكانت مفاجأة للشعب الإيراني. فالشعب الذي كان يحرق العلم الأميركي بالأمس القريب يشاهد رئيسه يصافح الرئيس الأميركي. والرئيس روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف يمزحان مع النواب الأميركيين والأوروبيين، ولا يتورعون عن إرسال إشارات إيجابية وضمنية، فكلاهما مستخدم نشط لـ«تويتر». والغريب أنه في دولة يُفرض فيها حظر على «تويتر» كانت رسائل الحرية وحرية التعبير تُنشر عبر «تويتر».
وفي إطار الحديث عن الشفافية ودعم الفنون والعلوم، تبنى روحاني دعوة للاعتدال والمحبة بالقول إن العنف باسم الدين ليس من الدين في شيء، وأكد أن التكنولوجيا النووية هي لأغراض سلمية فقط. وأعتقد أن المبادرة بشأن عدم خضوع الفن والفنانين لرقابة الحكومة أهم خطوة لتجسيد الإصلاح الذي يمثله روحاني، لأن تشجيع ودعم الفنون سيبعث للجانب الآخر برسالة مهمة عن الدولة الإسلامية، تقول: «نحن لسنا متطرفين ولا متعصبين»، وقد قام روحاني بهذه هذه المناورة بطريقة بارعة، لدرجة أن أوركسترا بتسبورغ يجري محادثات مع كل من الولايات المتحدة والمسؤولين الإيرانيين لتقديم حفلة موسيقية في طهران.
والهدف من هذه البادرة المبهجة برأي كثيرين رفع العقوبات عن إيران، وتسريع المحادثات النووية. ولكن هل الأمر كذلك؟ أم أنه لتغيير المفاهيم العامة؟ هل تريد إيران تغيير نظرة «دولة الخوف» التي قامت ببنائها عبر كثير من العمل الجاد على مدى سنوات كثيرة، واستبدال فكرة بلد السلام والحريات بها؟ يمكننا بالتأكيد أن نأمل ذلك.
والاعتقاد السائد في الغرب هو أن هذا التغيير الكبير في إيران فرضه الضرر الذي لحق بها بسبب العقوبات. هذا استنتاج سهل، ولكنه يتسم بنوع من القصور أيضا، فقد تناسى قادة الغرب أن إيران ممثل قدير، لا للغرب، بل لمنظمة شنغهاي للتعاون. ويتجاهلون حقيقة أن إيران قادرة على الحصول على الأسلحة بسهولة، ودعم حزب الله في لبنان والحفاظ على برنامجها النووي المكلف حتى في ظل العقوبات الدولية. ويبدو أنهم نسوا أيضا داعمي إيران الأقوياء، وروسيا والصين وسوريا والهند. وأن الإدارة الإيرانية والاقتصاد الذي تسيطر الدولة على 70 في المائة منه لم يتأثرا نتيجة العقوبات على النحو المتوقع من الغرب. والثروات الشخصية لكثير من القادة والمسؤولين في إيران، مثل آية الله علي خامنئي، تكفي لتوضيح ذلك.
لم تؤثر العقوبات إلا على شيء واحد في إيران هو الشعب الإيراني. فقد أساءت أميركا بشدة تقدير الوضع بفرضها الحصار، مع علمها بأن دول حلف شنغهاي ستدعم إيران، مما نجم عنه تفشي الفقر بين أوساط الشعب البريء، وحرمتهم من جودة الحياة وحكم عليهم بارتفاع التضخم وانخفاض الأجور وارتفاع الأسعار وتفشي البطالة. وكما هو الحال دائما، كان الأبرياء هم من يدفعون الثمن.
يجب على الغرب التخلي عن الاعتقاد الواهم بأننا «قد نجحنا في تغيير إيران من خلال العقوبات». صحيح أن هناك تغييرا في إيران، ولكن هذا كان شيئا مقررا منذ فترة طويلة مسبقا من قبل نظام روحاني. وربما يكون السؤال الأنسب هو: ما مدى صدق هذا التغيير؟
يجب أن لا ننسى عددا من الحقائق عندما نبحث المسألة الإيرانية، فقد كانت إيران لسنوات كثيرة اللاعب الرئيس في التعصب الشيعي، بدلا من الصداقة بين السنّة والشيعة في المنطقة. والقرارات بشأن العالم والشؤون الداخلية في تلك الدولة المعزولة دائما ما كانت تُتخذ من قبل الملالي في رأس النظام، الذين يحمل بعض منهم عداء واضحا للغرب والعرب والأتراك. وحتى وقت قريب، كانت عناوين خطابات خامنئي تؤكد دائما على كلمة «أعدائنا».
على الرغم من ذلك، ربما يكون من الجيد الاعتقاد بأن التغيير في إيران، على الرغم من هذه الحقائق ومبادرات روحاني، سبب للأمل. وإنه لمن المبهج رؤية التحالف مع الغرب، والإيماءات اللطيفة والوجوه المبتسمة، بدلا من تلك الوجوه العابسة والمخيفة. وقد كانت إشارة خامنئي وروحاني إلى الوحدة بين المسلمين خطوة مثالية، وهذا هو أفضل علاج للتعصب، الذي سيؤدي بدلا من ذلك، إلى حماسة المسلمين، وهذا هو ما نحتاج إليه أكثر في الشرق الأوسط في الوقت الحاضر. فإراقة كثير من دماء المسلمين كل يوم، تدفع المسلمين إلى توحيد صفوفهم لإيجاد حل، لا الاستمرار في الانغماس في الخلافات والصراعات التافهة المصطنعة.
اسمحوا لي بأن أقول لأولئك الذين لا يعلمون ذلك، فإنه منذ أن تولى روحاني، كانت هناك محادثات شهرية منتظمة بين المسؤولين الأتراك والإيرانيين على مستوى رئيس الوزراء ووزراء الخارجية. أهم بند على جدول الأعمال الحالي هو سوريا، ومن ثم ينبغي على كلا البلدين اللذين يتبنيان وجهات نظر مختلفة بشأن سوريا العمل للتوصل إلى اتفاق، وكما حدث في الشهر الماضي، من دعوة جميع الأطراف لتنفيذ وقف إطلاق النار. وهذا دليل على أن الدول الإسلامية في الشرق الأوسط يمكن أن تتوحد معا، لتمارس السلطة بطريقة مسؤولة ولحل المشكلات على أساس عقلاني، حتى وإن اختلفت آراؤهم.
لا يزال بمقدورنا أن نحقق الكثير معا لحماية الضعفاء، ووضع حد للحرب والعداء الطائفي وجعل الشرق الأوسط مرادفا للسلام. ربما لا ينبغي لنا أن نفرط في الشكوك بشأن التغيّرات التي تجري، وربما يكون الوقت قد حان لكي يدرك المسلمون في الشرق الأوسط الحاجة للتغيير والوحدة، بعدما أريقت كثير من الدماء.

السابق
فشلت في الحمل فساعدته
التالي
بين وحشية النظام والمجموعات الراديكالية