قبل أن تتحول ‘النصرة’ إلى ‘داعش’

لا ينبغي تمرير المزيد من الصمت حول “جبهة النصرة”، خصوصاً أن آخر سياراتها المفخخة في الهرمل تزامنت مع بدء جلسات المحاكمة في اغتيال الشهيد رفيق الحريري، فخدم هذا الصمت الحجّة الضمنية المنتشرة، والقائلة بأن مفخخة الهرمل كانت رداً على اغتيال الحريري.. فيما هدفها الرسمي كان، بحسب بيان “النصرة” الذي أعلنت فيه مسؤوليتها عن ارتكابها، هو: “زلزلة معقل حزب الله رداً على ما يقوم به من جرائم في حق نساء وأطفال أهل السنّة في سوريا”. وهذا “هدف” منسجم مع كلام آخر، ينطوي على جزء من الحقيقة – جزء فقط – والذي يقول، بل يردّد من دون هوادة، بأن العمليات الإنتحارية تستهدف “البيئة الحاضنة” لحزب الله.

الصمت عن جرائم “النصرة” بمثابة إغفال للوجه “الإقليمي” لجرائمها اللبنانية الضيقة، ضيق العقول التي حصرت الصراع فيه بالتخندق خلف متاريس أحد المعسكرين الكبيرين اللذين يؤلفان بين قلوب اللبنانيين… وهو، أي الصمت، يتجاهل، متعمداً ربما، كون استهداف بيئة ذات انتماء مذهبي واحد بالمفخخات، لن يزيد الصراع الإقليمي، والتمذْهب الذي يؤطره، إلا تسنْيناً وتأجيجاً. ومن دون الإلتفات الى كون المفخخات جرائم بحق الإنسان، جرائم ضد أبناء طائفة “عدوة”، بجيناتها؛ تريد أن توهم أنصارها بأنها هي الحرب المقدسة التي يقودها أصحابها ضد “الروافض الكفرة”، وإذا بها تقتل وتقطع أرزاقاً وتشعل النيران…

لم يكن ينقص هذا الصمت عن “النصرة” غير “التحليل” الذي يراود بعضاً من المعارضة السورية. وذلك بعد اشتراكها، أي “النصرة”، مع الفصائل الأخرى في القتال ضد “داعش”، تلك “الدولة” الإجرامية التي أعلنت قبل كبوتها الأخيرة عن مسؤوليتها في جرائم مذهبية مفخَّخة مماثلة، آخر فصولها كانت السيارة التي انفجرت في ضاحية بيروت الجنوبية، في حارة حريك. ولا يخفي هذا “التحليل” موقفاً “إيجابياً” من “النصرة”، إذ يعتبرها مكوَّنة من سوريين، لا من عرب وأجانب، وغايتها “إسقاط بشار لا إقامة الدولة الإسلامية”. وهذه أسباب “تمليها المرحلة” و”تؤجل الخلاف” و”تعزز جانب المعادين لبشار الأسد” الخ. “تحليل” يريد أن ينسى بأن “النصرة” أعلنت ولائها لتنظيم القاعدة، وبأنها، إن كانت ترفض تسرع “داعش” في إقامة الخلافة الاسلامية وتطبيق قصاصات الشريعة الاسلامية، فلأن “المرحلة الآن غير مؤاتية”: فقط لهذا السبب. “تحليل” يُسقط في طريقه أيضاً أن القوة العسكرية الضاربة لـ”النصرة” في سوريا، ومؤخراً في لبنان، هي التفجيرات المفخخة، التي تنال ما تناله في طريقها من مارة وسكان وعابرين ومتزهين أو مجرد قاعدين في بيوتهم. أي أن “النصرة” منظمة إرهابية تستهدف الآن، في لبنان، الشيعة، ضمانة لنصرة “أهل السنة”، من غير مواربة ولا حذْلقة.

لا ينبغي علينا، مرة أخرى، تمرير المزيد من الصمت حول “النصرة”، خصوصاً إذا كنا من غير المؤمنين بأن الحرب الأهلية قدرنا. فهذا الصمت هو الضامن الأكيد لاستمرار قوة “حزب الله”. ليس عسكرياً فحسب. إنما عصبياً ومعنوياً أيضاً. فعمليات “النصرة” ولغتها يعطيان الحجّة الذهبية للحزب بالإستمرار في مشاركته إلى جانب بشار في حربه على شعبه، على أساس انها حرب ضد الإرهاب. أما الرد على هذه الحرب بما يشبهها، أي المزيد من الإرهاب باسم عصبية، سنية، تحمي أبناءها، فلا تفعل غير تشبّث العصبية الشيعية، التي لن تلبث أن يُردّ عليها بعصبية سنية على القدر نفسه من الاحتدام… وهكذا ندخل في الأتون الأسود، في الحريق المذهبي الإقليمي الأعم، لنكتشف يوماً بعد آخر، أن “النصرة” لها بيننا منفذون ومؤيدون ومتشوقون للشهادة، يفترض التحليل العلمي بأنهم من مهمّشي الأطراف؛ وإذ بهم ينحدرون من مدن، مثل طرابلس وصيدا… ولنذهل فجأة أيضاً، بأن “النصرة”، وبعد “صبر” طويل، أخذت تقطع الرؤوس والأيادي وتجلد وتهدم أضرحة ونصباً، وتزيح عن دربها كل من لا يتوسل الولاء لها… الى نهاية القائمة، التي تجعلها قريبة من “داعش”. فنستفيق قليلاً. لكن بعد ماذا؟

إنفجار الهرمل تزامن مع بدء جلسات محاكمة قتلة رفيق الحريري، لينبّهنا الى وجود نهج آخر، غير القتل، غير الثأر، للرد على الجريمة: العدالة والمسامحة، بعد المحاسبة.

السابق
الأنباء عن مصادر: نهج جنبلاط في الإستحقاق الحكومي سيتكرر في الانتخابات الرئاسية
التالي
ميشال موسى: 8 اذار ستذهب مجتمعة للحكومة ولا حكومة من دون التيار الوطني