حزب الله بلسان أميركي: الحرب على الإرهاب

حزب الله و أمريكا
لم يتخذ "الارهاب" مكانة العدو في نفوس مناصري حزب الله الا بعدما اصاب هذا الارهاب مناطق تواجدهما. حتى حين كان الارهاب يحصد ارواح الآمنين في العراق، بقي الموقف ملتبسا في نفوس الجمهور من هذا الارهاب، وكان لوجود الجيش الاميركي المحتل في العراق آنذاك منفذاً لهذا الالتباس وسبيلا للتغاضي والصمت في كثير من الاحيان.

لم يتخذ “الارهاب” مكانة العدو في نفوس مناصري حزب الله الا بعدما اصاب هذا الارهاب مناطق تواجدهما. حتى حين كان الارهاب يحصد ارواح الآمنين في العراق، بقي الموقف ملتبسا في نفوس الجمهور من هذا الارهاب، وكان لوجود الجيش الاميركي المحتل في العراق آنذاك منفذاً لهذا الالتباس وسبيلا للتغاضي والصمت في كثير من الاحيان. ولا يفوت القارىء ان مصطلح الارهاب لطالما كان توصيفاً اميركيا واوروبياً بالدرجة الاولى لتنظيم “القاعدة”، وبدرجة اقل لنشاط حزب الله الامني والعسكري. وفي ادبيات الممانعة وخطابها، منذ بدأ تداول مصطلح “الارهاب” في العقود الاخيرة، كان يرفضه، ويستهين بمخاطره. وكان دوما يحيل اسباب اطلاقه الى نزعة استعمارية غربية وغاية اسرائيلية ليس اكثر، هدفهما “القضاء على حركات المقاومة وتيار الممانعة في المنطقة العربية والاسلامية”.
لكن فرضت الاحداث والوقائع مساراً مختلفا على من حاول ايجاد الذرائع والمبررات لهذا الارهاب. بل قلب الموازين رأساً على عقب. ففي حين خرجت عشرات القوى في محور الممانعة لتواجه الحرب الاميركية على الارهاب منذ ما قبل تفجيرات “القاعدة” داخل الولايات المتحدة الاميركية في 11 ايلول 2001، ومع الاحتلال الاميركي لدولتي افغانستان والعراق، وما بعدها… ذهبت هذه القوى الى مواجهة منطق “الحرب الاستباقية” على الارهاب واعتبر الكثير من الممانعين (على رأسهم الرئيس السوري بشار الاسد) انه ينبغي على العالم ان يبحث في اسباب الارهاب وجذوره فضلاً عن تعريفه، محيلا هذه الاسباب الى عدوانية اسرائيل والسياسات الغربية في المنطقة.
عندما يحاول اي مراقب او سياسي اليوم تبني هذا المنطق، اي البحث عن الاسباب التي ادت الى استهداف مناطق نفوذ حزب الله، فإنّ الرد من الممانعين، ومن مسؤولي الحزب اولاً، يكون باتهام اصحاب هذه المحاولة بتغطية الجريمة. اذ لم يعد مقبولا المنهج الذي استخدمه الممانعون، قبل سنوات وطيلة اكثر من عقدين، في مقاربة مصطلح الارهاب و”الحرب على الارهاب”. فما دعوا اليه سابقا من ضرورة البحث في اسباب الارهاب قبل ادانته، صار مرفوضا اليوم. لا بل اي محاولة لتفسير هذا الاجرام صار تغطية له. وهذا بحد ذاته ما نجحت الادارة الاميركية في معركة فرضه، بل وجعل هذه الحرب اولوية في المنطقة، ولدى الممانعة، التي باتت شديدة الحرص على قيام حلف الحرب على الارهاب بعد قبولها عضواً فيه، ولو برعاية الشيطان الاكبر وقيادته.
لذا يجهد النظام السوري اليوم في مؤتمر جنيف 2 في السعي الى جعل قتال الارهاب اولوية، متقدمة على اي عنوان آخر، ان فلسطين او الجولان، او مواجهة الامبريالية… وما الى ذلك من شعارات طالما ضجت خطاباته بها. وليس وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف خارج هذا السياق. بل هو شدّد على هذه الاولوية حين زار بيروت قبل عشرة ايام، حين اكد على اولوية مواجهة الارهاب. لذا المطلوب منا جميعاً، بحسب البرنامج الممانع، ان نكرر كالببغاء هذه المقولة: “الحرب على الارهاب” وكفى… اما كيف ولماذا فهذا من قبيل تبرير الارهاب وتشجيعه.
امس دعا القيادي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق الى “قيام استراتيجية وطنية لمواجهة الارهاب التكفيري”. وهذه خطوة ودعوة مهمة لكن “بشرطها وشروطها”، اي الا تكون مجرد دعوة سياسية تتناغم مع سياسة النظام السوري لكسب تأييد دولي ولتبرير بقائه.
فتنظيم “القاعدة”، كما درجت ادبيات “الممانعة” وسواها على القول، ليست تنظيماً هرمياً، بل هي “مناخ سياسي وديني وامني”، يوفر الظروف الملائمة لنشاط مجموعاتها، غير المتصلة، ولاحتضانها. لذا يصبح السؤال اكثر الحاحاً حول سبل الوصول الى منابعها وتجفيفها، او تفاديها في احسن الاحوال.
حتى حزب الله ليس بمنأى عن هذا السلوك. فمن ضمن منهاج التكفير: تقسيم المجتمع بين وطني وعميل. كما انّ من اولويات اي استراتيجية وطنية لمواجهة الارهاب التكفيري تعزيز روح التنوع وحماية حق الاختلاف، ونبذ الاستبداد. وقبل ذلك الذهاب الى معالجة الشروخ الوطنية. فلا نعلن استنكارنا لاغتيال الخصم السياسي فلان، ثم نبدي سعادتنا بموته في دوائرنا المذهبية. فهذا شكل من اشكال الارهاب التكفيري ايضاً. وشيطنة الشريك في الوطن وقتله معنوياَ تمهيداً للقتل الجسدي هو ارهاب ايضاً وايضاً…
محاصرة الارهاب التكفيري لا يمكن ان تنجح اذا اقتصرت على اعتباره ضيفا ثقيلاً آتيا من خارج الحدود. بل تبدأ عملية اجتثاثه او محاصرته من الداخل بالعمل على إلغاء الخطاب التصعيدي في الداخل اللبناني، والدخول في مصالحة حقيقية ليست تلك السياسية، اي ليست على السطح، بل مصالحة مجتمعية حقيقية في العمق. هكذا فقط يمكن فكفكة الارهاب بدل التلهي، او الغرق، في استثمار نتائجه.

السابق
صعود المصري محمد صلاح يتوجه لاعبا في تشيلسي
التالي
ماذا يروي مغني الراب حسين شرف الدين عن اعتقاله؟