قطار ‘التسوية’ ينطلق والأسد سيغادره

كادت نصيحة المبعوث الأممي العربي الأخضر الإبراهيمي للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بدعوة إيران الى حضور «جنيف – 2»، أن تطيح المؤتمر قبل أن يبدأ. ففي أقلّ من 24 ساعة، أقفل الجدل الذي اندلع بعد المواقف الصاخبة التي أثارتها الدعوة «المشبوهة» بتوقيتها واستهدافاتها، بعدما كادت تطيح معالم التسوية التي بدأت ترتسم رويداً رويداً في سماء المنطقة.
هناك من يحمّل الإبراهيمي مسؤولية التلاعب غير محسوب النتائج، علماً انه يدرك طبيعة التوازنات الدقيقة المحيطة بعملية التفاوض برمّتها.

لكنّ مسارعة المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جين ساكي الى قطع عطلتها الأسبوعية، وإصدار بيان واضح يرفض دعوة إيران الى مؤتمر “جنيف ـ 2” إذا لم تعلن دعمها بيان “جنيف 1″، حسم الأمر بأنه لا يعدو كونه أكثر من “اجتهاد بنية حسنة”، بعدما تحدّثت تحليلات عدة عن نية مبيتة إما لنسف المؤتمر قبل أن يبدأ، أو أن امراً ما قد طرأ ففرض تعديلاً على طبيعة الإتفاقات المعقودة.

كذلك، أظهرت كثافة التعليقات أن الأمر ليس تعديلاً، بدليل ان المعطيات التي كشفها مسؤولون أميركيون وبعض الدراسات والوثائق تشير الى ملفّ يبدو انه في طور الإكتمال، ليشكّل مدخلاً مناسباً لما هو مرسوم مستقبلاً. وفي هذا الإطار، أصدرت “خدمة أبحاث الكونغرس” الأميركي تقريراً مفصلاً عن مستقبل الوضع في سوريا خلصت فيه الى أن مستقبل السياسة الأميركية تجاه النزاع السوري وما سينجم عنه، يرتبط بتحقيق التوازن بين المطالب بضرورة أن يترك الرئيس بشار الأسد السلطة من جهة، واستمرار تعاون الحكومة السورية في التخلّص من أسلحتها الكيماوية، والحفاظ على بنية النظام الاساسية وتسهيل وصول الإغاثة الإنسانية للمتضررين من جهة أُخرى.

ويقول مسؤول أميركي “إن تراجع الأسد عن تصريحاته أمام وفد برلماني روسي بأنه لن يتخلّى عن السلطة، جاء نتيجة “زجر” روسي ما، وهو ما يشير بنحو غير مباشر الى أن الاتفاق الأميركي ـ الروسي حول مستقبل رأس النظام، لا يزال يحافظ على درجة كبيرة من التماسك”، على رغم من تصريحاته الهزلية اللاحقة.

واذا أُضيف الى هذا الموقف، ما نُقل عن مسؤول أميركي رفيع أن بلاده تتلقى رسائل عدة من أعضاء في النظام السوري ومن حوله تظهر رغبة بإيجاد حل سلمي ومخرج من الحرب، يظهر ذلك أن مسار التفاوض الذي سيفتتحه جنيف ـ 2 يدور تحديداً حول سبل إلزام الأطراف بضرورة المسار السلمي، وبأن لا حلّ عسكرياً للنزاع.

ثمة قائل بأن “حجم الضغوط على النظام ومعاونيه سيتعاظم، مع كشف اللجنة الدولية التي أشرفت على التحقيق في جرائم الحرب اليوغوسلافية والجرائم الخاصة في سيراليون تقريراً أعّده خبراء منها يتناول جرائم الحرب المرتكبة في سوريا، يمهّد الطريق لتأليف محكمة دولية خاصة، بعدما حصلت على “أدلة قوية” ومقبولة تشكّل أدلة دامغة لإدانة نظام الأسد لارتكابه “جرائم ضد الإنسانية” و”جرائم حرب” . وذكر التقرير “أن الصور التي حصلت عليها اللجنة عن أعمال التعذيب وقتل المعتقلين سيكون لها تأثير على مسارات الحرب الأهلية ومستقبل الأسد ومحادثات جنيف”.

وفي المقابل، يرى المسؤول الأميركي أن إعتراضات بعض جماعات المعارضة السورية على مؤتمر جنيف لن تؤثر على المسار العام. فاللحظة السياسية الراهنة تشير الى أن اطراف النزاع، المحليين منهم والإقليميين، هم في طور تغيير كثير من عاداتهم وسلوكياتهم السياسية.

وينطبق الأمر على روسيا التي تخشى التهديدات سواء قبل “الألعاب الأولمبية الشتوية” في “سوتشي”أو بعدها، وكذلك على تركيا التي “تريد تغيير”علاقاتها مع قوى المعارضة السورية، أو على ايران التي بدأت تطبيق مفاعيل اتفاقها النووي واستعدادها لتلقي مليارات الدولارات المجمّدة لها، او السعودية وقطر بعدما بدا واضحاً لهما ايضاً أن خطر الجماعات المتطرّفة هو سلاح ذو حدّين.

وتشير الحرب التي بدأت على “داعش” الى أن قراراً دولياً في طريقه الى تدويل الوضع الأمني في سوريا، مع تسريب طلب الإدارة الأميركية تخصيص 50 مليون دولار استباقية في موازنة السنة الحالية استعداداً لدعم تمويل قوات سلام دولية في سوريا. فتصميم واشنطن على عدم تحويل سوريا والعراق ولبنان ساحة لتنظيمات تهدّد الأمن الإقليمي واضح، وسيفرض على المعترضين على قطار الحل السياسي في سوريا، القبول بهذه الحقيقة في نهاية المطاف. قطار يبدو أنه سيفرض سياسة عراقية مختلفة، وقد ينتج حكومة لبنانية تخفّف من حدّة التوتر العالي الذي أيقن الجميع، خصوصاً أولئك المتورطين في لهيب الحرب السورية، انه قادرعلى اقتلاعهم، وان مصلحتهم تقتضي منهم الحفاظ على رؤوسهم.

السابق
ضغط دولي مختلف على إيران
التالي
النهار:دور كبير للسعودية لرأب الصدع بين أطياف الإئتلاف السوري