التكفيريّون لـ«حزب الله»: ليس بالحريري يتوقّف الإرهاب

طلب الأميركيون والفرنسيون والسعوديون من الحريري أن يتنازل للتسوية، فوافق. ومع أنّ التسوية لا تُلبّي طموحاته، ولا تتناسب والشعارات، فإنه لا يرفضها لسببين:

1- لأنها فرصته للعودة إلى لبنان والسراي، وإستعادة تياره دينامية إفتقدها في غياب الرأس، ومَخرج من حال التعب والإرباك اللذين يصيبان
“14 آذار”.

2- لأنّها تسوية مطلوبة إقليمياً ودولياً. ولا يمكن للحريري ولا سواه أن يعزل قراره نهائياً عن التداخلات الخارجية. ففي لبنان، يصبح عارياً ومكشوفاً مَن يتصدّى للقوى الدولية والإقليمية التي تدعم وجوده.

وتساهم التفجيرات الأخيرة في تحديد البوصلة في الملف الحكومي. فإغتيال الدكتور محمد شطح عطّل حكومة الأمر الواقع. والتفجير التالي في حارة حريك، جعل الأمر مستحيلاً. فمَن يجرؤ على إعلان حكومة تستبعد “حزب الله” فيما هو يتعرّض لهجمات إنتحارية.

وفي عبارة أخرى: مَن يغامر في الظهور بمظهر الواقف في وجه “الحزب”، إلى جانب قوى الإرهاب التي تستهدفه بالنار؟ أما تفجير الهرمل، والتفجير الإنتحاري الثاني أمس في حارة حريك، وبينهما قصف عرسال، فيزيدان عبء المسؤولية الملقاة على الحريري، لإبرام التسوية.

فالتفجيرات الأخيرة، المتسارعة وتيرتها، في مناطق شيعية، تعني أنّ الإرهاب التكفيري دخل على الخط مباشرة، وأنّ لبنان إنزلق إلى الحالة السورية – العراقية. وثمّة مَن يعتقد أنّ “حزب الله”، عندما قرَّر دعوة الحريري إلى شراكة حكومية جديدة، وجَدَ مصلحةً في تهدئة المزاج السنّي المتوتر، نتيجة الشعور بالإستهداف (7 أيار، عبرا، طرابلس، عرسال…)، عن طريق تلميع الإعتدال الذي يمثله الحريري.

فـ”الحزب” يرغب في إستعادة الحدّ الأدنى من “السنّية اللبنانية” المعروفة بإعتدالها، بعدما بدأ يتذوَّق مرارة “السنّيات السورية والعراقية والفلسطينية”. ولذلك، هو يرغب في إغراء الحريري في “إستعادته” إلى لبنان ورئاسة الحكومة لاحقاً. ولكنه يشترط لذلك أن يتمّ تحت سقفه السياسي. أي إنه لا يريد الإستجابة لطلب “14 آذار” والرئيس ميشال سليمان بالخروج من سوريا، على رغم إقتناعه بأنّ هذا التورّط هو الذي جلب “الدب الإرهابي” إلى “الكرم اللبناني”.

والأزمة القائمة بين الحريري وبعض “14 آذار” تكمن في هذه النقطة تحديداً. وفيما “الحزب” يحاول إستثمار التسوية المطلوبة إقليمياً ودولياً، لإستيعاب الحريري سياسياً، كشرط لعودته إلى لبنان، وإلى السراي لاحقاً، يعتقد بعض الآذاريين أنّ الفرصة سانحة لممارسة ضغط مقابل على “الحزب”، ودفعه إلى الإقرار بأنّ تورُّطه في سوريا هو الذي أوجد المتطرفين وإستجلب التكفيريين إلى لبنان، وأنّ السبيل الوحيد لوقف المسلسل الإنتحاري لن يكون بعمل بسيط هو حكومة “8-8-8″، بل بعودة الحزب من سوريا. فالإنتحاريون ما جاؤوا إلى لبنان قبل التورّط.

لذلك، سيشتدّ الضغط على الحريري بعد إنفجار حارة حريك الثاني لتسهيل التسوية. وسيتم تجاوز العراقيل التي تعترض البيان الوزاري، إما بالإستعانة ببلاغة اللغة العربية، وإما بتأجيل إعداد البيان إلى ما بعد التأليف. وسيستجيب الحريري لأيّ مَخرج يحفظ ماء الوجه. لكنّ حكومة “الإعتدال السنّي” ليست هي الكفيلة بردع التطرف والإرهاب ونزع الذرائع التي يرفعها غلاة التكفيريين، بل عودة “حزب الله” من سوريا.

والرسالة واضحة: من إشتعال محاور طرابلس إلى تفجير الضاحية. فالقوى المتطرفة والتكفيرية بات لها وزن مؤثّر في الشارع السنّي. وهي متضرّرة من عودة الإعتدال السنّي… تحت جناح تسوية تعتبرها “إنهزامية” مع “حزب الله”.

وسيكون الإعتدال السنّي متضرّراً من المتطرفين والتكفيريين كما “حزب الله”. تماماً مثلما يخوض “الجيش السوري الحرّ” حرباً مزدوجة ضد التكفيريّين والنظام في آن معاً. لكنّ رسالة التكفيريين في إنفجار الحارة، الجزء الثاني، هي الآتية: ليس الحريري هو الدواء للعمليات الإرهابية. إبحثوا عنه في مكان آخر!

فمارد الإرهاب سهلٌ خروجه من القمقم، لكنّ إعادتَه إليه صعبة كثيراً. والخوف هو أن يصبح للمتطرفين والتكفيريين “أجندة” لبنانية، تتوخّى العنف والإرهاب… وتطمح إلى حجز موقع في التسويات المقبلة. عندئذٍ، ماذا سيفعل الذين أخطأوا بإستيراد الحالة السورية – العراقية، وكيف يصلحون الخطأ؟

السابق
أمام المستشفيات: يبكون الأحياء..
التالي
حارة حريك مكرّر: إنها الســعوديـة مجدداً